رعيّة رشدبّين

مواضيع وتأملات لاهوتية

إيمان المرأة الكنعانية

إنّها كنعانيّة! فماذا لديها لتقوله لي؟… إنّها وثنيّة وآلهتها أصنام، أمّا نحن، فإنّنا أبناء لّله منذ اعتمادنا بالماء والروح! فماذا أتعلّم منها؟… هي حديثة التعرّف على المسيح وتكلّمه للمرّة الأولى،أمّا لغالبيتنا، فطريق يسوع طريقنا، مذ فتِحَت أعيننا على الدنيا!؟ فما الجديد إذًا عند هذه المرأة كي تعطينا إيّاه؟ قليلاً ما ننتبه إلى إيمانها بشموليّة محبّة الآب للإنسانِ كائنًا من يكن، وأيًا كانت انتماءاته الدينيّة والسياسيّة والإجتماعيّة… هو الضابط الكّلّ، أتى للكلّ، وبكلّيته أعطانا ذاته لخلاصنا.
هي الوثنيّة، قد تنبّهت إلى كينونته، فآمنت به. لقد آمنت أنّه البداية والنهاية، وأنّه لا يمكن دخول باب الخلاص إلاّ به، فأتته راجيّةً ثابتةً في إيمانها. لم تقف عند حدود ما نعتقده إهانةً لشخصها، عندما إجابها يسوع بالرفض، لأنّها أتت واثقة من هويّة هذا ال”يسوع”، الّذي طالما سمعت عنه وعن طيبته ورحمته، هي التي كانت بعيدة كل البعد عن تعاليمه والتي لم تلمس بطرف إصبعها جرحه والتي لم تمتّع نظرها وقلبها بأحد أعاجيبه. لم تتعلّق بعاطفتها، وبما ندّعيه أحيانًا “كرامة”، بل ذهبت إلى أعمق، إلى حقيقة رأتها في عينيه، حقيقة الحبّ الّذي لا يعرف التّفرقة بين البشر. إيمانها سمح لها بالإصرار على طلبها، بطريقة ذكيّة وطريفة رغم الدموع والألم، وكأنّها تلاقيه على نفس الوَترِ الّذي أراد أن يغنّيه كي يسمعه الجمع كلّه، مُتخَطّيَةً “الإساءة”، واضعةً ثقتها بهَويّتِهِ الحقيقيّة.
إيمانها به أتى بملء اختيارها، لا بعاطفتها أو بإملاءٍ ما، ولا بمنطقها البشريّ، أتت إليه واثقة الخطى، مسلّمةً له وضع ابنتها الميؤوس منه. لم تطلب منه أن يشفيها، أو أن يُخرج من ظلمة قلبها الشياطين، لم تطلب منه شيء بل أتت بإمان عظيم بيسوع، سلّمته ابنتها كما سلّم أب الإيمان ابراهيم فتاه على الجبل وصمتت، صمتًشا حمل معه صرخة صاخبة تردد ما أرادت فعلاً قوله: لتكن مشيئتك. فكانت المكافأةُ شفاءً، والإعلان أمام أهله وآلِهِ، بأنّها صاحبة الإيمان العظيم: من وثنيّتها، قلبت الطاولة على أصنامها وآمنت بمعطي الحياة والخلاص.
تلك الوثنية آمنت أنّ لا خلاص لها إلاّ بالمسيح. وثنية لم تُوَثِّن إيمانها، ولم تحجّمه في آيةٍ أو أعجوبةٍ، ولم تحدّه في طلبات تشبع رغباتها الشخصية. كان إيمانها مَبْنيًّا على الإلتصاق بالمسيح، على أن يكون لها فكر المسيح وسلوك المسيح. تلك الكنعانيّة قد التصقت بيسوع واضعةً كلّ ذاتها، وكلّ حياتها بين يديه “يا ربّ”، “يا سيّد”، وكأنّها تقول له:” أنتَ هو سيّد حياتي، فهي لم تعد ملكًا لي، بل لك، وأنت الّذي عليه أن يملك عليها… فتصرَّف”.
لقد أحبّت شخصًا بكلّ جوارحها، فلم تستطع أن ترى فيه إلاّ ما أمْلَتهُ عليها قناعتها، مؤمنةً أنّه، هو أيضّا صادق في حبّه ورحوم بامتياز. هو ذاك الّذي “لا يكسر قصبةٍ مرضوضةً ولا يطفىء فتيلاً مدخّنًا”، ولا يخذل كلّ من أتى إليه بتصميم ٍ واثق، وبساطةٍ ثابتة.
أوليس هذا هو المطلوب منّا، نحن الّذين اعتمدنا وخُتمنا بالمسيح؟ ألسنا واثقين أنّه لا ينسى واحدًا على قارعة الطريق، بل “يدخله معه إلى ردهة العرس”؟ فلندعه يعمل فينا، ولنتركه يكون صانع سلامنا الداخليّ وشافينا؛ فهو وحده يعرف طينتنا ودواخلنا. فلنؤمن أنّ السّلام والشفاء الروحيّ هما عطيتان مجّانيّتان اُفيضَتا عن رحمة الله بواسطة موت وقيامة يسوع المسيح. أوليس المطلوب منّا أن نكون كالكنعنانيّة، نعلن إيماننا بأنّه سيّدُ حياتنا، نقبل عطيّة ذاته لنا بالكامل، مهما واجهنا من صعوبات، ورفضٍ وتهميشٍ أحيانًا… حتّى إذا ما قبلنا وفعلنا، لا يعد باستطاعتنا أن نبقى كما كنّا، لأنّ الله يكون قد كشف لنا ذات الحبّ الّذي فيه، وأحلّ فينا سلامه، ووهبنا شفاء النفس ِ، جاعلاً منّا خليقته الجديدة.
فطوبى لمن يقبل ويثبت، لأنّه يكون قد حمل يسوع الحبّ، يسوع السلام، يسوع الخلاص، للعالم أجمع.
جاكي جوزيف ضوميط

توبة زكا العشار

أن يتوب رئيس العشّارين زكّا، القابِض على حقوق النّاس، المستقوي على الضعفاء والعميل عند الرومان، ترك بصمةً كبيرة عند كلّ من عاين وسمع من قريبٍ أو بعيد، في مهمّة يسوع الخلاصيّة على الأرض.
إنسان يعاني من عقدة نقصِ قصر القامة ويتألّم من دونيّته، ذهب مدفوعًا للتعويض بشتّى الوسائل، فراح يرفش الأموال المُستحَقّة والغير مستحقّة من النّاس، ظنًّا منه أنّه بذلك سيكسب مكانةً مرموقة ومحترمة في مكانٍ ما عند الرومان. لم يكن يؤمن بكينونته المخلوقة على صورة الله، ولم يكن يستشعر الثقة بالذات إلاّ على حساب تصغير الآخر وغبن حقوقه، فما كان يقطف في كلّ مرّةٍ إلاّ الوحدة ويزداد رذلاً وتهميشًا. الحلّ؟… كان بحاجةٍ إلى من يكسر تلك الحلقة المفرغة في حياته، كان بحاجةٍ إلى التقاء من يحبّه ويعرف كيف يُخْرِج الذّهب من منجم قلبه: كان بحاجةٍ إلى يسوع. مارًّا بتلك النّاحية، هو الوحيد الّذي، على عكس كلّ سكّان المدينة الّذين كانوا يزدرونه بغضّ الطرف وزمّ الشّفاه عند مروره، رفع نظره صوب زكّا. ثمّ ناداه باسمه، ولأوّل مرّةٍ يشعر زكّا بأنّ له كرامة الإنسان. نظرة يسوع إليه ردّت له الجوهرة الثمينة المفقودة الّتي لطالما بحث عنها في كل ما ارتكب من حماقاتٍ وأخطاء دون أن يجدها. لقد بدأ يتلمّس صورة سماء وجه يسوع تنجلي داخله : لقد وُلِد من جديد، وأشعّ وجهه فرحًا.ألسنا غالبًا زكّا في “قِصره”؟ في كلّ ما يتعلّق بإيماننا، بأمانتنا، بإرادتنا الخاضعة، عن جهلٍ، إلى رغباتنا وميولنا البشريّة؟ ألا تقف هذه العاهات حاجزًا بيننا وبين المشروع الخلاصيّ لكلّ إنسان؟

لقد تسلّق زكّا الجميزة وهو الرئيس. يا للمشهد المضحك المبكي! يا للسخرية! لكنّه لم يأبه لمن حوله بل كان همّه الخلاص. في أعماق نفسه كان يختلج توقٌ إلى من ينتزعه من هذا الجحيم الّذي يحترق فيه وحده بمرارة، على عكس ما كان يظنّه النّاس.
لم يأبهوا يومًا إلى مشاعره الإنسانيّة، فألبسوه ثوب العار المخطَّط وعلّقوا على ظهره “رقم” علّته كالسجناء، ولربّما كووه بنارهما كي لا يفلت من هذا السجن المؤبّد كما العبيد في العصور الغابرة. شجرة الجميزة تلك كانت أرحم منهم، لقد حملته لكي يراه يسوع فيدعوه هو القادر، يعلم ما بداخل الإنسان ويعرفنا بأسمائنا، ويرانا إن كنّا وراءه أو على الجميزة أو في زوايا المخادع…، بل كي يرى النّاس ما يجيش في أعماقه من ألمٍ وتوقٍ إلى الشفاء. لقد تخلّى عن كرامته وكبريائه وأنانيّته المفروضة عليه، وتسلّق بحماس أطفال الشوارع، وفرِح مثلهم.

في كلمة يسوع لزكّا، إكتشف أنّه ليس ضيفًا ينتظر الإحتفالات العظيمة لاستقباله، ولا ذاك الّذي يريد الجلوس في الصدارة ولا في صالونات القصور، بل هو الصدّيق الّذي يرغب في دخول بيوتنا على اتّضاعها، على أنّه من أهل البيت فنستقبله بفرح، ونؤمّنه على التّنقّل في كافة أرجائه بحرّية. هو الّذي علينا اطلاعه حتّى على زوايا نفوسنا السرّيّة، الحميمة، الوجوديّة، حيث لا نسمح لأحدٍ بالنظر إليها لكثرة ما تراكم فيها من غبارٍ وأوساخ ٍوعفنٍ، لأنّه وحده القادر على تعقيمها وترميم ما تضرّر منها وترتيب هيكلها، ثمّ إعادتها إلى الحياة معافاة، ذات قيمةٍ حيويّة، فرِحة.

فنزل واستقبله بفرح. نزل إلى الأرض وتخلّى عن التطلّع من فوق، تخلّى عن حِيَله ومكره، عن أنانيّته وكبريائه الّتي اعتقدها تُرفّعه عن الآخرين. لقد شعّ وجهه بالفرح وامتلأ غبطةً، فأسرع بالنزول عن شجرته، هو، ذاك الرّجل القصير القامة الّذي أراد على الدّوام أن يكون كبيرًا، نزل كي يلامس الأرض بمفهومٍ جديد: لقد تواضع. لقد أدرك أنّ هناك فقط وفقط على هذا المستوى يبدأ التحوّل الجذري في حياة الإنسان، ولقد حدث ذلك فعلاً. بفعل يسوع الإنسان الّذي أراد أن يأكل ويشرب معه، الإنسان زكا تحوّل. بيسوع الإنسان عاش السّلام المُرسل من الله، وهذه الخبرة قد حوّلته.
إنّ يسوع لم يتحفنا بالكلام المنمّق والوعظ الجميل كي نتوب، بل أجرى الجراحة اللازمة لاستئصال مرض، التعويض عن النّقص والضّياع وال”الكنفشة” والأنانيّة، مستخدمًا مِشرط التواضع والحبّ اللامحدود. ولقد نجحت بامتياز.

لقد شفي زكّا. لقد شعر بأنّ يسوع لم ينظر إلى ما كان عليه من شرّ بل قبِلَه كما هو، وتنبّه إلى قيمته كإنسان، فإنّه لم يعد بحاجة إلى جذب الأنظار إليه بجمع المال الحرام، ولا بالمراكز: لقد تحرّر من هذا العبء، فأعلن بعفويّةٍ ندامته، بتعويضه على كلّ من ظلم نصف أمواله بفرح. لقد بدأ مسيرة درب الحبّ دون أن يفكّر كثيرًا، لأنّ من يتوب معتمدًا بالتواضع والإيمان بيسوع االخلاص، يلبس الحبّ، وينطق بالحقّ، وتفيض ثمار الرّوح غنيّة ً فيه.

فيا ربي وإلهي … أسعِدْني بدخولك على قلبي كما أسعدت زكّا العشار عندما دخلت بيته، أَسعدْني بسماع صوتك، أَسعدْني بالتعرّف عليك، أَسعدْني بخدمتك وإكرامك وحسن ضيافتك. بيتي المتواضع لا يليق بك ولكنك تجعله قصرًا بوجودك. بيتي المتواضع أُقدّمه مسكنًا لك؛ تملّك عليه فأُصبح أنا هو الزائر، فيُهيء كلانا الطعام للآخر: أنا أُهيّء لك الطعام: إذنٌ صاغية وقلبٌ منكسر لتتعشّى معي، وأنت تُهيّء لي الطعام: الحمل الذبيح وكلمتك وما أعْدَدْت لي لخدمتك فأتعشّى معك وأشبع. سبحانك يا رب ما أشهى مائدتك، أشكرك على الدوام. آمين.

جاكي جوزيف ضوميط

أنتَ(يسوع) أم صنميّتي؟

يا “إبن داود”، أيّها الحبيب الذّي تجلّى فيك ملء الروح ففِضت “حبًّا ورحمةً” على النفوس المغلوبة بالشّر والمرض، والمعتدى عليها من قِبَل الخوف وسيطرة فِكرِ “بعل زبول” على كلّ ناحيةٍ فيها. حلّلْتَ بيننا فائضًا حنانك الشّافي خارج نطاق الزمان والمكان، خارج إطار فكرِ الإنسان الذّي لا يأتمر إلاّ بسلطان المستوى الإجتماعي والثقافي والعلمي والمادّي… كي يعمل.
هذا هو أنت! أنتَ الّذي أدخلت إلى العالم منطقًا جديدًا في التعاطي: إصنعِ الخير وإمشِ؛ قل كلمة الحقّ وأكمل المسيرة؛ لا تبادر الشرّ بالشّر، بل إسعَ إلى رفضِ الحقد بالتسامح والحبّ. تعاطيك يا يسوع مع الجميع مليء بالرحمة وليس فيه أدنى تنويهٍ أو غمزٍ وإرادة تسلّط تُحطّم الآخر وتخزيه. أنت لا تتعاطى من باب ردّات الفعل الّتي تخرج عن سيطرة القناعة والتعقّل والحكمة، بل يعطينا أن نرى كيف يصير الإنسان إنسانَ الفعل لا إنسان ردّ الفعل، وكيف يصير أداةً طيّعة وغنيّة بين يديّ الرّوح، إن قبِل أن يعطيه زمام القيادة! فكيف لا نرى في أخينا الإنسان ما أنتَ تراه؟من شارعٍ إلى شارع، من بيتٍ إلى بيت ومن الهيكل إلى الساحاتِ لم يتوانَ الفريسيّون عن نصب الشراك كي يصطادوك بشباكهم، ويسرقوا العزة والمجد من اسمك ويلبسوه تاج عار على جبينهم، لكن وجهك لم تحجبْه عنهم ولا تعاليمك وحنانك، ولا حتّى توبيخك، كالأب لأبنائه. عملت جاهدًا كي تفتح بصيرتهم على القوّة الجديدة التي تحرّرهم من صنميّتهم، أعطيتهم حبل الخلاص الذي ينتشلهم من مستنقع الخطيئة الغارقين فيه، لكنهم عشقوا رائحة النتانة ولم يكفّوا عن عبادة آلهةٍ سيطرت على عقولهم وغزت قلوبهم حتّى العمى. لم يدركوا أنّ تلك الأصنام الفكريّة تحكم عليهم وعلى أتباعهم بالموت، موت النفس، لهم عيون ولا يبصرون وآذانٌ ولا يسمعون؛ فأصبحوا لصوصًا يسيل لعابهم شهيةً لسرقة القدسية من قلوب المؤمنين..

لكن من يستطيع سرقة أمتعة قويٍّ ساهرٍ على بيته “إن لم يُقيَّد”؟ من يستطيع أن يسرق فكر المسيح وحياته من مؤمنٍ واعٍ مدركٍ لمسؤوليّته، متحَضِّرٍ دومًا لمواجهة عبادة آلهةٍ صنميّة
كلّنا نسعى إلى القوّة. نعمل جاهدين كي نحقّق أنفسنا ولكن كيف؟
هل نبحث عن العنف والشرّ والتدمير، وفي أماكن كثيرة من العالم نبحث عن الحروب ومهانة الشعوب من أجل تحقيق الذّات؟
هل نسعى إلى حَبْكِ المؤامرات وتلفيق الأكاذيب وتحطيم الآخرين حتّى نشعر بأنّنا أقوياء؟ أم أنّنا نؤمن بأنّ القوّة الحقيقيّة تكمن بالساكن فينا وخالقنا على صورته ومثاله؟
ألم يقل لنا أنّه وحده هو “الطريق والحقّ والحياة”؟
ألم ينبّهنا إلى أنّ “الحقّ وحده يحرّرنا” إن عرفناه؟
“أين نحن الآن من كلّ ما يحدث من إغتصابٍ للحقّ والأرض والإنسان؟ أين هي قوى الحبّ والخير والعطاء إزاء كلّ ما يحدث في العالم اليوم؟ لما هي في غيبوبةٍ عن الواقع؟” (د. ميشال أسود).

ربّما لسنا أقوياء في الإيمان بما فيه الكفاية كي نستطيع أن نردع السارق من سرقة بيتنا الّذي به علينا أن نعتزّ ونفتخر. ربّما نحن من نقيّد الروح “بتجديفنا” العَمَلاني عليه، فتُفارقنا الحياة في النّفس ويطلّقنا الحبّ والتواضع ويهجرنا العطاء بمجّانيّة، مستسلمين إلى صنميّة الأنا الخادعة. فحبّذا لو ردّدنا مع القائل نفسه: “لو لم يكن الله فيَّ قوّة تحرّر لما آمنْتُ به، إذ ما لي والصنم؟”.

ربما لا يزال الإيمان بذرة فينا لم ولن تنمو إلا إذا أصبحنا نحن أطفالاً، تدهشنا كلمة الرب فنلحقها كما النحلة تطادر عبق الورد، نلاحقها كما الاطفال الجائعين للحب، الحب الخالص الصافي اللامتناهي في أرض صارت قاحلة، قاحلة من الحب والصفاء والوفاء لولا بذرة الإيمان هذه المتمسكة بتراب نفوسنا الخصبة والرافضة على الرحيل

ما تفلّ يا إيمان، خلّيك بقلبنا أكتر بعد، نحن نستحق أن تبقى فينا، فثمة من فينا ما زالوا على قيد الحب والوفاء إبقَ لأجلهم، لأجل الخطأة والضالين، لا ترحل فلولاك لا أمل ولا رجاء ولا قيامة…

جاكي جوزيف ضوميط

من هو هذا الإله الذيّ لم ينظر لحظةً إلى الوراء ولم يُدِن أحدًا

فلمّا علِم يسوع (بما يخطّطون له)، إنصرف من هناك، فتبعه جمهورٌ كبير فشفى مرضاهم، وأمَرَهم ألاّ يخبروا أحدًا” (مت١٢: ١٥-١٦)

من هو هذا الإله الذيّ لم ينظر لحظةً إلى الوراء ولم يُدِن أحدًا، لم يحقد ولم ينتقم من كلّ الّذين نفّذوا أو حاولوا قتله؟! يسوعُ هُوَ! لقد غفر لهم وشفى مرضاهُم وحرّرهم من أثقال الخطايا المُهلِكةِ لنفوسهم، والمُشوِّهةِ لصورةِ الحبِّ فيهم. إنّه المخلِّص حقًّا. بفيْض الحبّ والنور، حرَّرهم من قيود العبوديةِ لِفِكْرةِ “العين بالعين والسنُّ بالسنّ” مُطلِقًا إيّاهم إلى الحرّية الحقيقيّة، تلك التي لا نُدرِكها إلاّ بالمسيح.

نبؤة أشعيا الّتي تحقّقت في يسوع: “هذا هو فتايَ الذيّ اخترته، سأفيض روحي عليه فيُعلن للشعوب إرادتي” شهد بها متىّ الرسول بعد أن عايَنَ كلّ ما فعله يسوع، كما شهد قبله يوحنا المعمدان، الزاهد بالعالَم، بِوَحي ٍمن الروح ، على ضفاف الأردن “هذا هو حمل الله” قبل أن يعلنه الآب للعالم: “هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فله اسمعوا”… ومشى التلاميذ وراءه… وتبِعَتهُ الجموع…

هل مازلنا نسمع تلك الشهادات اليوم؟ هل آذان قلوبنا تقبل أن تسمع، أو ألسنتنا أن تشهد؟ إن هذا الصوت اللّطيف، الهادىء، هو كلمةُ حقٍّ أبديّة، في الأمسِ واليوم وغدًا. تَحيا في سرّ إيماننا، دون “صنج ٍ يرنّْ” إن جرس يرنّ في الساحات أو ينادي على السطوح. إنه في الأعماق يهمس، ويلامس الوجدان والقلب بلطف السماءِ وسلامها، كي يوقدَ في النّفس الرجاء ويُحْيي الإيمان الناعس فينا: “لايخاصم ولايصيح، وفي الشوارع لا يسمع أحدٌ صوته…” (آ: 19). وما زلنا نتساءل إن خَمَدَ ذلك الصوت!!!

إن كناّ نؤمن أن “السماء والأرض تزولان وكلامَهُ لايزول”، يعني أنّه ينبغي لنا أن نؤمن بما قاله وأن ندعَهُ يتحقّق في العالم : فكم من المَمالِك والملوك قد اندثر عن وجه الأرض؟ وكم من الحروب أبكَتِ الرّجال وأثْكَلَتِ الأمّهات ويتّمتِ البنين، ثمّ انتهت وأصبحت في طيّ النسيان؟ كم امتلأتِ الساحات بالورود وتزيّنَتْ بالشرائط “الحمر والبيض” والأعلام لعيدٍ أو لفاتح ٍ أو لرئيس ٍ أو لشابٍ مُرتَحِل… واليوم ابتلعتها الأياّم ولم يبقَ منها إلاّ الذكرى والصوَر؟!… حتى الكوارث الكبرى والأحداث العالميّة لَمَعَت في حينها كوميضِ برقٍ ثمّ تناثرت مع الريح ولم يبقَ منها اليوم إلاّ الصدى يُسمَع في آهةٍ مُتحسّرة أو ضحكةٍ تترنّح مع الأثير؟ كم من صرخةٍ تدوّي في أرجاءِ الدَار كل يوم معلنةً ولادةََ حياةٍ جديدةٍ سرعان ما تكبر، تفرح، تتألّمْ، تُحبّ، تناضل ثم تشيخ وتموت… إلى حفنةٍ من ترابٍ يضيع، حتى، مقرُّها مع الأيام؟!

كلّ ذلك سمعه ورآه الآب ومازال يفعل. إنّما تلك الرقرقة الناعمة في الكيان، تلك الكلمة اللطيفة كانت وما زالت وسوف تبقى تناديك وأنت في غمرَةِ أفراحِكَ وأتراحِكَ، طمأنينتك وقلقكَ، راحتك وأتعابك. إنّها باقية حيّة فيك، “لا تزول”، تزرع الأمل وتعزّز رجاءك بالمسيح المُقيم في بيتك. تلك الكلمة تذكّرك أن الله معك كي يقودك إلى الحقّ والخير، فتتصالح مع ذاتك، وتتجدّد حياتك ويكبر الحبّ فيك، فتفيض بنور يسوع. عندها تفهم أنّك أصبحتَ بذاتِك، صوته في العالم، فتُعلِن مجده من خلال حياتك اليوميّة وتعيش نبؤة أشعيا، عاملاً على مساندة النفوس الضعيفة، مُجَبّرًا القلوب المنكسرةِ والبائسة، “فلا تكسر قصبةً مرضوضة”. وبدل أن “تُطفىء الشّعلة الذابلة” تنفخ فيها من روح أبيك الّذي فيك، فيَتوهَّج الحبّ الّذي يخمد، مُشِعًّا بنور الله في قلبِ العالم.

جاكي جوزيف ضوميط

حقلٌ شاسعٌ

في جوار منزلي حقلٌ شاسعٌ، أرضه مخصبة ومياهه تنتظر أن تنساب حياة في ترابٍ أَسْمَعه يبكي في “وَحِيح الهشير” الأصفر حيث لا حياة ولا أخضر ولا ثمار! كلّ عناصر العطاء توفّرت فيه، لكنّ أحدًا لم يقلب التراب ويهيّأه، ولم يطمر فيه بذار الخير. فمِن أين تأتي الثّمار وتستمرّ الحياة؟
ما أجمله من حقلٍ بانت حبّات القمح فيه رؤوسها في كلّ مكانٍ، تتطلّع في كلّ إتّجاهٍ تبحث عن اليد الّتي سوف تغمرها لتنقلها إلى حيث تخلع عنها ثوب القشّ الهشّ، لتدخل مسيرة الإيمان إلى أن تصبح خبزًا جوهريًّا على مائدة الربّ المقدّسة.كما في الماضي كذلك اليوم. لم يتغيّر المشهد ولم تتبدّل المعادلة ولا الحاجة الحقيقية للإنسان. ما زالت هناك نفوس مشتتّة وأخرى بائسة أو يائسة، نفوس تبحث وغيرها تتألّم من مرضٍ يأسرها ويرميها في الضياع. كلّها تبحث عن الراحة وسلام القلب. كلّها عطشى للشفاء وهي لا تدري أنّ الطبيب الشافي هو واحدٌ أحد لا سواه، إنّه يسوع.
أمّا هو فيعرف تمامًا ما الّذي زرعه فيها، ويعرف كم تحمل من الخير داخلها. وكم تتوق إلى التعرّف إليه والدخول معه في علاقة حبٍ عميقة فيها تستريح.
لكن من هي اليد الّتي سوف تغمر تلك النفوس لتأتي بها إلى يسوع؟ أليست كنيستنا هي “كنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة”؟ أليس كلٌ منّا مدعوًّا، بمعموديّته وإتّحاده بجسد المسيح السرّيّ، لأن يكون رسولاً، مثبّتًا بنعمة الروح القدس؟
ليس المطلوب منّا أن نَعِظهم ونروي لهم أحداث الإنجيل، فلربّما كثيرًا ما سمعوها، وخاصّة المسيحيين الغير ممارسين، لكنّها لا تعني لهم شيئًا، لأنّهم لم يلمسوها في حياتهم ولا في حياة من الآخرين.

المسؤوليّة كبيرة جدًا ولكن جمالها يفوق صعوبتها بكثير.
أن تكون رسول المسيح، يعني أن تضحك مع النفوس البائسة حين يضحكون، أن تعمل معهم حين يعملون، أن تأكل معهم وتركض وتبكي معهم حين يبكون. أن تمدّ يدك لمساعدتهم حين يحتاجونك وتقدّم لهم ممّا عندك بحبٍّ مجّاني وتشعرهم بالثقة، أفلست بذلك تأخذ بيدهم وقلبهم وفكرهم إلى المسيح دون “فصاحة” وتكون الرسول؟
الفاعل إذًا هو الشجاع الّذي يتخطّى حدود ذاته إلى حيث اللاحدود، عاملاً بالحبّ، متّشحًا بالتواضع، مملؤًا بالحنان، سالكًا بالفضيلة، محتضنًا كلّ من يبحث عن صدرٍ يسند إليه رأسه، متسلّحًا بالصبر والرحمة كما الربّ هو صبورٌ ورحوم.
أن تكون رسولاً للمسيح يعني أن تتعرّف على نفسك في كماله، أن تغوص في عمق أسراره حتى تصبح مدمنًا عليه، وتعشق حتى الموت أصغر تفاصيله. أن تكون رسولاً للمسيح يعني أن تكون إنسانًا عاشق. انسان يعيش في عالمه الخاص، ذلك العالم البعيد كل البعد والقريب كل القرب من منطق، من خيال، من مثاليّة. منطق، خيال ومثاليّة تختلف أبعادها الكامنة في عيونك عن تلك المترسخة في عقول الأخرين.
أن تكون رسولاً للمسيح يعني أن تكون ذلك الانسان الغارق في بحر السعادة، مغمورًا بذراعي الكمال. يعني أن تُدرك أنك أجمل ما خلقه الله على هذه الأرض. يعني أن تغوص في أعماق مَن كانت الكتابة عنه فخاً لذيذ، فمهما كانت الكلمات عظيمة، تبقى عاجزةً أن تعطيه حقَه الفعليّ من الوصف.
أن تكون رسولاً للمسيح يعني أن تنظر في أعين النفوس الباحثة وتنقل لها شرارة الحبّ الإلهي اللامتناهي، فتغمر تلك الشرارة قلبها لتستفيق من غيبوبتها المميتة. يعني أن تمسك يداً ترتجف لتنقل إليها دفئ الآب الحنون فيتغلغل ذلك الدفء في جسدها المتجمد في صقيع الروح. و عندها ستتذوّق طعم السعادة الحقيقية الناتجة عن عطائك المجّانيّ.

فيا ربي وإلهي، يا أبي السَّماوي القدير واللامائت، يا ربّ الحصاد الَّذي يفرح بخلاص الجميع، الحصادُ كثير والحصّادون قليلون. يا قلب يسوع الأقدس المضطرم حُبًّا لأبنائك، نطلبُ إليك مُتّضعين أن تُزيد في جميع أنحاء المعمورة، عدد الأتقياء الغُيُرِ من الرُسل، فحيثُ الجيفة إبعث النسور. رغِّب ذوي القلوب السخية الطاهرة في وقف أنفسِهم على خِدمتكَ المُقدّسة، وآتهم عونًا فيحل عليهم الروح القدس ويشعل نار محبتك الخالدة بقلوبهم فتعطيهم قوةً بحيث لا تحُول دون رغبتهم عوائقُ العالم والشيطان؛ واجعَلهم من الثابتين على تلك الدعوة السامية إلى الممات. آمين.

جاكي جوزيف ضوميط

مجابهةِ بغير سلاحٍ

عند قراءتي لهذا النّص، شعرتُ وكأنّني أمام قائدٍ يحثّ جنوده على المجابهةِ بغير سلاحٍ، وبطريقةٍ لم نَعْتدْ على استعمالها في الحروب التقليديّة، بل تِبْعَ خُطّةٍ لا تشبه أيًّا من تلك الخطط الّتي عرفناها.
إنّك تشعر بغرابة توصيات هذا القائد، كيف يوصي جنوده، بمواجهة عدوّهم الشرس (الذئاب)، بوداعة الحملان. لا بل أكثر من ذلك، يوصيهم بأن يكون لهم لطف الحَمام وعذوبته.
فماذا تنفع وداعتهم أمام أنياب الذئاب الكاسرة، المتربّصة بهم شرًّا، كي تمزّق أجسادهم، وتدمي أرجلهم الحافية؟
هل كان هدفه أن يُسْحَق تلاميذه أمام أعدائه، دون الدفاع عن النفس، على الأقلّ؟
هذا القائد الحازم، على وداعته، الحكيم على بساطته، القويّ على عذوبته ولطفه، لم يُرِد مطلقًا أن يتخلّوا عن مهمّتهم خوفًا، (رسالتهم) أو يستسلموا يأسًا، ولكن أن يصبروا كي يحوّلوا تلك الذئاب إلى خرافٍ تعود معهم إلى حظيرة الخلاص، بتـظهير نتائج كلّ شّرهم للنور، فيرتاعوا لرؤية بشاعتهم ، ويخجلوا من لطف الله في من يحاولون قتل الروح منهم أو الجسد.
أراد أن يكشف لهم أنّ سموّ الرّسالةِ يكمن في تحويل قلب العدوِّ وروحه إلى إنسانٍ جديد، يؤمن بالحبّ اللامحدود، بالله، لا في سلبه حياته. أرادهم أن يدركوا، على قِلَّتِهِم، أنّ الحبّ والوداعة والحكمة، هي أقوى من جحافل الأعداء بكلّ عدّتها وعديدها! وكانت النتيجة أنّهم فرشوا جهات الأرض الأربع بالسلام، وفرح الخلاص بيسوع المسيح.
اليوم، ألا نخجل، نحن الّذين أصبحنا على شاكلة الذئاب، نواجه، ونستشرس، ونُكشِّرُ غالبّا عن أنيابنا أمام أعدائنا؟ أين ذاك الحمل الّذي وضعه الله في داخلنا، بإفخارستيّا ابنه الحبيب؟ أين روح الحكمةِ الّتي أفاضها فينا، يوم دخلنا الحياة الجديدة، بالعماد؟
هل فكّرنا يومًا كيف أنّ تلاميذًا بسطاء، مرابين، فقراء، أو، منهم من لا يعرف حتّى “فَكَّ الحَرفْ” …. وُهِبوا القدرة على الشفاء وإقامة الموتى، ومجابهة الحكّام ، وكيف أنّ الروح نطق فيهم أمام القضاة والشيوخ؟ كيف أنّهم بثباتهم على الإيمان، وحكمتهم، وشجاعتهم، شَهِدوا حتّى الموت، من أجل المسيح، الربح الأكبر، فهزّوا العروش، وأصغى لهم ملوك الأرض وأباطرتها… ونحن؟ كم منّا، المتعلّم، والمثقّف، و”المؤمن بتحفّظ”، لا يعْرِف من المسيح إلاّ اسمه، ولا من المسيحيّة إلاّ مظاهر الإحتفالات الدينيّة، والممارسات الطقسيّة، وواجب حضور قدّاس الأحد (يا ليته يكون فعلُ مشاركة)، رافعين الصوت مُصرّين على التّغنّي بمسيحيّتنا؟
هم جابوا الأرض من أجل البشارة، صابرين على الألم، محتملين الضيق والمشقّات. ونحن؟ ألا نجوب العالم هَرَبّا من… مُتَناسين أنّ الله قد زرعنا في هذه الأرض كي نزهر، ونثمر فيها، لا لكي نقتلع أنفسنا، إلى حقولٍ تربتها ليست بخصبة، ولا غذاؤها بمُفيد، ولا هواؤها بنَقيّ؟ من منّا يلوذ بالصبر عند الضيق؟ أو يحتمل مشقّةً من أجل البقاء على الإيمان والمحافظة على مسيحيّته الحقيقيّة، لا الصُوَرِيّة؟
هم وثِقوا بالمسيح وآمنوا بالرسالة : “ها أنا أرسلكم” (آ: 16)، فكانت لهم قدرة المعلّم الّذي أرسلهم، وأُعطوا التّعزية، والشجاعة ألاّ يهابوا شيئًا في انطلاقتهم نحو البشارة. لقد أدركوا أنّ “النعمة تكفيهم”، وأنّ تجلّي قدرة الآب في عملهم وإشعاع الفضائل في حياة الإنسان، هما في تكاملٍ لا مثيل له!… ونحن؟ هل تأمّلنا يومًا بهذا السلطان المُعطى لكلٍّ منّا؟ هل انتبهنا أنّ تلك القدرة، وتلك الفضائل كلّها، هي كائنةٌ فينا؟ ولكن، ماذا فعلنا بها؟ أو لماذا لم نوقظها بعدُ، وما زلنا نكبّلها بجهلنا لدورنا كأبناء لله، أو بالخوف أو بالأنانيّة؟ هل نؤمن أنّ لنا بها الغلبة لا محالة، مهما كثُرَت الذئاب؟ هل نؤمن بأنّ الله وثق بنا، فاختارنا للبشارة؟ نعم! لقد اختار كلاً منّا… أنت! من تقرأني، لقد اختارك الآب لرسالةِ الخلاص لأنّه أحبّك، ووثق بك، وأنت لم تنتبه أنّه يحمل مفتاح ذاتك بين يديه: إنّك المعنيُّ مباشرة… كيف؟
بادله الثّقة بتواضعك؛ وكن دائم الجهوزيّة للدخول إلى أعماق ذاتك، فتطهّر قلبك بتخلّيك عن كلّ تعلّقٍ خارج المسيح، سبب ابتعادك عنه، وهجرك لذاتك المخلوقة على صورة الله ومثاله. كن شاكرًا لسُموِّ صداقته لك وجمالها. كن شاكرًا لاختياره إيّاك عاملاً مسؤولاً في حقل البشارة (أيًّا تكن، ومن حيث أنت). كن سخيًّا في عملك دون خوفٍ من فقدان الصغائر، من أجل الربح الأكبر.
لقد أحبّك حتّى الثمالة، ورفعك، كي تليق بك السماء فابتهجِ الآن وانطلق، من ذاتك أوّلاً، مؤمنًا واثقا، لأنّه قد فعل وأرسلك…
جاكي جوزيف ضوميط

في التوبة قوّة

أيّها الغنيّ المُطلَقْ، المكتفي بذاتكَ… رغم أنّك في غِنىً عن أيّ مخلوق أو كائنٍ سواك، أعطيت سلطانك، بشخص ابنك المتجسّد وروحك القدّوس، إلى الرُّسلِ الإثنيّ عشر، كي “يطردون به الأرواح النجسة، ويشفون النّاس من كلّ علّة ومرض وداء” (مت 10: 1): إنّك “المحبّة المُطلَقة”.

بين بطرس ويهوذا، في تأمّلي لأسماء الرّسل، كما ورد في هذا النّص، لفتني أوّلها: سمعان بطرس، “الصخرة الّتي عليها بنى يسوع بيعته”، قد نكره ثلاثًا عند المحكّ. وآخر الأسماء في السرد هو يهوذا الإسخريوطيّ الّذي أسلمه. أمّا الباقون فلقد فرّوا، تاركين حبيبهم يسوع وحده يواجه الإتّهامات فالآلام فالموت. واحدٌ لم يبقَ في ساحةِ الصّلب، حيث معركة الإنتقام الأحاديّة، سوى يوحنّا!

مذابحنا: أليس مِن المُستغرَب ألاّ نرى ذلك غالبًا في أنفسنا؟ ربّما لأنّنا لا نجرؤ على تقليب صفحات أيّامنا، على ضوء المسيح ونور الإيمان به، فنخاف أن نكتشف أنّنا أناس عاقّون، نصنع الشّر، نعتدُّ بأنفسنا، وننسب نجاحاتنا لمقدرتنا الشخصيّةِ واهمين، غير مدركين أنّ المقدرة الّتي لنا، والذكاء والخيرات هي مِن خَلْقِ الله وكَرَمِه علينا؟!
ربّما لا ننتبه غالبًا إلى فعلتنا في إنكارِ الله حتّى ولو عن غير قصد؛ فكلّما زادَت خيراتنا، نُكثر من مذابح عباداتها وننوّع في آلهتها، فنقيم أوّل المذابح للذات. وبدل عبادة الله الخالق والمعطي، يضيع القلب بين كلّ تلك الآلهة، فينقسم ويتشتّت، حائرًا في إرضاء هذا أو ذاك… لقد حان وقت قلبِ طاولات المذابح وتكسيرها دون خوف. ها هو زمن التوبة، والرجوع عن المعصية؛ فها إنّ الحبيب ينتظرتسليمنا سلطانه. فلنقبل إليه.

التّوبة قوّة: إيمان بطرس والتلاميذ بمغفرة يسوع لهم جعلهم يلجأون إلى التوبة، فاكتشفوا أن تلك القوّة والشجاعة في الإقرار، ليْسَتا من عندهم، بل من عند الله الّذي حلّ فيهم بروحه. وبالإيمان استطاعوا أن يضعوا ضعفهم في النور، فرأوا جليّا مِن أين عليهم أن يمسكوا، ويتمسّكوا بركن النجاة الّذي لا يتزعزع. بينما ضاع يهوذا في الموتِ لقلّة إيمانه بمغفرة يسوع لفعلته.

الفرح في الضيق: هل نعرف أنّ الملكوت لا يُشرى بل يُغتَصب، رغم أن الله لا يَغْصِب أحدًا على دخوله؟! فكيف ذلك إذًا، والإنسان ضعيف؟!
في اختيار يسوع لتلاميذه هناك تجلٍّ لعملِ الله. لقد اختار أناسًا عادييّن، بُسطاء. لقد اختارهم ليس لما كانو عليه، بل لما سيصبحون عليه من قوّة وقدرة، بنعمته وقدرته. وهذاما يجعلنا نفرح، لأنّ يسوع قال:” لم أدعُ الأبرار بل الخطأة”. فعندما يدعونا الله كي نخدم، وهو العارف بخطيئتنا، فلنفرح ولنلبّي الدّعوة، دون التظاهر بالتواضع مُدَمْدمين”ليس لديّ ما أقدّمه له”. إنّه جابلنا، وفاحص كِلانا، لذلك يقبل ما لدينا مهما كان صغيرًا، من أجل بناء الملكوت.

صلاة: يا أبي، أعطني أن أعترف، بصدقٍ وشفافية، بضعفي، كي لا أقع فريسة التباهي والتفاخر بأعملي وما تأتي به من ثمار. جنّبني خطر تأليه الّذات وعبادة عطاياك. ها إنّي أضع ذاتي وكلّ ما لدي، على صغره، بين يديك، كي تجعله آية ً قدسية، من أجلِ تمجيد اسمك القدّوس، آمين.

جاكي جوزيف ضوميط

علّمني طرُقكَ

علّمني كيف تنظُر إلى البشَر مثلما رمقتَ بطرس بعد إنكاره مثلما ولجتَ إلى قلب الشاب الغنيّ وقلوبِ تلاميذك
أودُّ أن ألتقي بك على حقيقتك لأنَّ صورة وجهكَ تُغيّر من دنوتَ منهُ
أتذكُر لقاءكَ الأوّل مع يوحنا المعمدان؟
إحساس قائد المئة بعدم الاستحقاق؟
دهشة كل من رأى معجزاتك وأعاجيبك؟
كيف أثَّرتَ بتلاميذك بالحشود في بستان الزيتون بيبلاطس وزوجته بقائد المئة عند أقدام صليبك أودُّ أن أسمعك و أُتطبّعَ بكَ
بأسلوب كلامِكَ أسمعكَ وأنتَ تعظ في مجمع كفرناحوم وأنت تعظ على الجبل، حيث عرف من تبعك ” أنّك تعلّم كمن له سلطان”.
علّمني كيف أصبح “إبن بَيّي”
علمني أن أطبع على وجهي أحرف هويّتك فيشعّ كل حرف وحرف وأُدعى حينها بنت أبي.
إزرع كلمتك في أعماق قلبي ودع جذورها تتغلغل في تربته وليسقي نبع حنانك الجفاف المختبئ خلف ظلال عصياني
صادفت وتعرّفت على أُناس عدة، فعرفتهم إبناء مَن يكونوا، مِن خلال طريقة كلامهم وتفكيرهم وتصرّفاتهم
هكذا أيضًا، إطبعني ربّي أنا الذي أدعو نفسي بالإنسان المؤمن، بصورتك يا أبي السماوي ومثالك، فيعرفني كل من يلتقي بي إبن من أكون، فعلّمني أن أعيش إذًا هذا الحبّ
علّمني أن أكثر ما يفرح قلبك هو طاعتي لك وسلوكي الطريق الّذي ترشدني إليه.
فأيها الآب السماوي، أنت الذي دون أن تسألنا أيّ مقابل أحببتنا حتّى أنّك جدت بإبنك الوحيد من أجلي. أنت الّذي عاش الحبّ حتّى الصليب، كي أفهم أنّ أعظم ما يمكن أن يُبلور الصورة والمثال اللّتان شوّهتهما الأنا والخطيئة، وأكثر ما يعيد لهما بريقهما، هو الحبّ وليس سواه، وصيّة الوصايا التي تركها لي يسوع قبل صعوده إلى السماء.
أنت الذي حبك هو فعلٌ وليس عمل، أعني أنّه إنعكاس فرحك فيي عند قيامي بك، هو تحرّرٌ من الأنا بفعله بكلّ مجّانيّة، وهو، إن تمّ، يكون حاويًا جميع الوصايا الأخرى: إن كان لي هذا الحبّ، أكون قد صرت في المسيح، فأحبّ ربّي بكل قلبي وعقلي وروحي، يموت الشرّ داخلي ولا أعد أقوى على فعله كالقتل والزنى وإشتهاء مقتنى الغير…
هكذا تكون الوصايا جميعها قد تمّت في أمانتي لهذا الحبّ المقدّس.
إزرع في روحي أقانيمك الثلاثة. ثلاثة أقانيم في إله واحد، الآب والإبن والروح القدس، وحدة متناغمة في حبّ لا ينتهي، أبدي، وعطاءٍ حدوده اللانهاية. على صورة هذا الحبّ الثالوثي يُبنى كلّ حبٍّ.
علّمني أن أحبّك في كل فعل حب في حياتي. فمن يكتنفه حبّ الله لا يصبو إلى شيء آخر ولا يسعى إلى ربح أو مكافأة، ولا يأمل إلاّ بأن يخسر كلّ شيء حتّى نفسه إراديًّا وذلك حبًّا بربّه؛ فهذا في عينيه هو المكسب الحقيقي.
إفتح لي أبواب قلبي يا واهب الحياة، لأن روحي تبتكر إلى هيكل قدسك آتياً بهيكل جسدي مدنّساً بجملته. روحي عطشى إلى الرقص على ألحان الفرح، ومن يرويها غير حبك اللامتناهي؟ ها هي الآن تنشر الأحرف على بياض صفحتها، لعلها بالقليل من ما لديها، تشرح لك الكثير الكامن في داخلها. الكثير من الشوق والتعب والعبئ والحزن. فاروها يا ربي، وعلّمني طرقك.
جاكي جوزيف ضوميط

! إختر الحياة

أيّتها القيامة المجيدة، تحمّلتِ مسؤوليّة فعل الثالوث بأكملها بمسيرةٍ كاملة، منذ حلول الكلمة في حشا البتول حتّى آخر صرخةٍ من على الصليب، وبك إتّخذت الحياةُ شكلاً جديدًا ملؤه الحبّ، حبًّا إلهيًّا أزليًّا غافرًا واهبًا الخلاص للإنسان، حبًّا أشركنا في عمق حياة الثالوث.
في قلب هذه الحياة بدأ يتفتّح إنسانُنا الجديد مع مجد يسوع القائم من بين الأموات، وحنان الآب، تحت مظلّة الروح القدس، في قلب السماء، في الله بذاته.وأنتَ أيّها الصعود المبارك، كشفت لنا أمانة الله المطلقة في وعده لنا، لتاريخنا الجديد، لجسدنا الّذي سيقوم ويُمَجَّد. بصعودك أيّها المسيح فتحت بصيرتنا على أن الله خلق الإنسانَ من أجل الحياة الأبديّة معه. خلقه بجسدِ آدم الترابيّ، حتّى إذا ما عبر، إتّخذ جسدًا نورانيًّا جديدًا ممجَّدًا، يتقاسم معه حياته القدسيّة، فتتوضّح صورة علّة وجودنا هذه وتعطي معنىً جديدًا لحياتنا.

أعود لأتأمّل في مسيرتنا نحن، أقصيرة كانت أم لا، ألا تتفتّح فيها إرادتنا الحرّة وتكبر؟ هذه الهبة الثمينة، كم نحافظ عليها؟ هل نقبل أن تكون إرادة مقدّسة تنبع من قبولنا لله بثالوثه في الحياة؟ هل تقبل إرادتُنا التنازلَ أحيانًا عن رغبتها العارمة في السوء أو الشّرّ قبل أن تودي بنا إلى الهاوية؟ بإختصار شديد، هل نرجو السماء في حاضرنا؟
إنّ سماءنا ما هي إلاّ المسيح بذاته الحاضر في أعماقنا، هو هذه الإرادة الخيّرة الّتي يحملها على الدوام كلّ إنسان.

فيا أيّها السبيل الأوحد لإكتمالنا البشريّ ومنبع كلّ إمتلاء، أنت يا من قدّمت لنا ذاتك بكلّيتها كي تجعلنا شبيهين بك بالكمال، ما من أحدٍ إلاّ ودعوته للإتّحاد بك، وكشفت له أنّ كلّ رغبةِ حياة حقيقيّة تُستجاب حين يتقاسم مع ثالوثك نعمة حياتك حيث يتذوّق طعم السّماء بالإيمان.

إجعل حياتنا تفيض بهذه النِعَم على كلّ من حولنا، إجعلنا ننفتح على كلّ الآخر بعلاقة قياميّة مُحيية بك وبأبيك وبروحك. إجعلنا نفتكر دومًا ما قلته لنا يوم دعوتنا: “إن كنت تريد أن تحيا، فإختر الحياة”، أي الحبّ في أقانيمه الثلاثة.
ربي وإلهي … أبي السماوي، يا مَن عملت وما زلت تعمل من أجل خلاص الجميع بمغفرة خطاياهم بإبنك الحبيب مِن خلال نشر هذه البشرى السارة فالإيمان به ونَيْلها، أشكرك.
ربي وإلهي … الإبن الحبيب، أشكرك على مَن إخترت ليكون تلميذًا لك، إخترته وعلّمته كيف يربط القديم بالجديد ليعْلَم الإنسان أن أباك السماوي قد أحبه منذ البدء حبًّا رهيبًا.
ربي وإلهي … الروح القدس، أشكرك على المحبة التي أشعلتها بنارك في قلب تلاميذ الإبن الحبيب، محبة غيورة لإسم الله القدّوس وبالتالي لمَن خلق، محبة تثق بما تسمع وتعمل على طاعة الكلمة.
ربي وإلهي … أرجو ألا تكون معموديتي هي مجرد طقوس إحتفل بها والديّ، وإنما غسلاً مستمرًا لقلبي الحجر ليلين ويُقابل محبتك بمحبة حقيقية، كم أنا بحاجة لمَن يُشوقني إلى لقياك ويدعوني إلى مشاركة فرحك السماوي، كم أنا بحاجة لمَن يقول لي بأنك أحببتني وأنت عالمٌ بأنني سبب آلامك، كم أنا بحاجة الآن لأزيل عدم المحبة من قلبي لمِن أساء إليّ وكان سببًا في تعاستي بالمغفرة له كما فعلت معي فيمتلأ قلبي بالفرح.
ربي وإلهي … كثيرون لم يفهموا بعد المحبة الأبوية “منك للإنسان”، والمحبة البنوية “مِن الإنسان المؤمن لك” والشركة المتبادلة بينكما وفيما بينهم أيضًا، وأنا إحداهم، فأرجو أن تفتح أذهاننا وترشدنا من خلال تلاميذ أكفاء مُقادين بروحك القدّوس فإن الحصاد كثير والحصادون قليلون، ولك الشكر على الدوام، آمين.

جاكي جوزيف ضوميط

ظهور الرّب الثالث للتلاميذ

هو ظهور الرّب الثالث للتلاميذ، وهذه المرّة على شاطئ بحيرة طبريّة، مكان اللّقاء الأوّل والدعوة الأولى.  عاد الى حيث جعلهم تلاميذ منذ ثلاث سنين، عاد ليعيدهم الى حقيقة التتلمذ له، ليدخلهم من جديد، رغم خيانتهم وشكّهم ونكرانهم، الى حالة الصداقة معه والى المصالحة مع الله الآب.
على ضفاف تلك البحيرة كانت خواتم اللقاءات الحسّية مع يسوع القائم من بين الأموات. على ذلك الشّاطئ تَكشَّفَت صورة الحبّ الّذي لا يُروى في القصص ولا يُصَوَّر في الأحلام، بل ذاك الّذي لا يموت في النّفوس النّابضة بالحياة، فيتعرّف، مهما كانت الأحوال، على مانحه.في تلك النّاحية، إختلجت القلوب من جديد أمام الهويّة المُستعادة، بعد موت الحبيب. هؤلاء الرجال الصيّادين، وبعد أن تبخّرت أحلامهم ، وأُحبِطت عزيمتهم وثقلَت أذرعهم للعمل مجدّدًا في جمع الأسماك، إضطربت قلوبهم في تلك اللحظات، وكُشِفت لهم الأوقات الصّعبة الّتي زلّوا فيها عند رؤية محنة السيّد والمعلّم يتألّم، وخافوا فهربوا، وشكّوا فطلبوا الدّليل كتوما، ونكروا فتألّموا وبكوا خطيئتهم، أعني بطرس الّذي ما إن تعرّف إلى يسوع عند البحيرة حتّى أيقظت فعلته النّدم والخجل فألقى بنفسه في الماء متَّزرًا بثوبه، ساترًا عريه، على عكس منطق الّذي ينزل إلى الماء، مذكّرًا إيّانا بآدم وحوّاء يوم كشف الله لهما شرّ فعلتهما، فتبيّن لهما عريهما للمرّة الأولى، وشعرا بالخجل والحرج لأنانيّتهما ولِنكرانهما الحبّ الّذي كلّلهما به الخالق… فهل كان لبطرس الشّعور إيّاه؟
هناك وفي ذاك الصّباح، بدا يسوع مختلفًا. في هالةٍ من الصّمت الجديد المُزدان بالقليل من الكلمات، إقترب من تلاميذه. بحركةٍ واحدة وصوتٍ ينسكب كالعشق في النفس الولهانة، “أخذ الخبز وناولهم”. دون قيدٍ وشرط أو كلمات ذكّرهم بإعطائهم ذاته قوتًا حيًّا. أعطاهم الحبّ الكامل بالكامل.

ربّما الصرخات انحبست في أفئدة التلاميذ يومها لأنّ الفرح كان أعظم من دويّ الحناجر. فقط تردّدت كلمتان على ألسنة الأحبّة منذ القيامة:”ربّي وإلهي”، “رابّوني”، “هذا هو الرّب”. باختصارٍ كلٌّ صَرَخَ بصمتٍ في قلبه المتأجّج: “هذا أنت ! أنت الحبيب الرّب!”.
كلّ تلميذ منهم كان يأمل أن تطول لحظات التقاء يسوع الرّائعةِ، تلك الهاربة نحو السّماء من محسوس الأرض إلى عيش الكلمةِ في عالم عطشٍ للحبّ والسّلام وما زال… الوقت حان للرحيل والرّسالة ليست مسامرة عند طلوع الفجر ولا جلسة حميميّة مع أصدقاء فقط، إنّما هي ارتشاف نور الحياة من شمس صّباح الألوهة، وزوّادة إفخارستيّا لمسيرةٍ نحو أعماق بحار العالم حيث الشّعوب على اختلافها كسمك البحر، تنتظر شبكةً لا تتمزّقَ كي تنتشلها من غمار أمواج “الأقوى بقوة ذراعه ونفوذه وماله وحيلته” إلى برّ الأمان والخلاص.

ومن تراه يجذب تلك الشبكة من جديد؟ بطرس المندفع! بطرس الّذي فيك وفيَّ، بطرس الّذي يسمع بنا الحبيب يهمس بنفحةٍ حزينةٍ لمرّاتٍ ثلاث وأربع وأكثر:” …، أتحبّني؟”. فأيّ ملك تراه يسأل (“أتحبّني؟”) بعيدًا عن لغة الدساتير وأفعال الأمر: “أحببني وإلاّ…!”؟ بالمقابل ما هو جوابنا له؟
عساه أن يكون مثل بطرس أيضًا: “أحبّك”، “يا ربّ، أنت تعرف كلّ شيء، وأنت تعرف إنّي أحبّك”. جوابه كشف له الذات الضعيفة، وجعله يقرَّ بقدرة الحبيب على سبر غور النّفس ومعرفتها.
اليوم يدعونا يسوع أكثر من أيّ وقتٍ مضى إلى مسيرة حبّ أبديّة، فما من حياةٍ تستطيع الإجابة بالمطلق على سؤال يسوع لكلٍّ منّا: “أتحبّني؟”.

جاكي جوزيف ضوميط