رعيّة رشدبّين

Month: June 2018

مجابهةِ بغير سلاحٍ

عند قراءتي لهذا النّص، شعرتُ وكأنّني أمام قائدٍ يحثّ جنوده على المجابهةِ بغير سلاحٍ، وبطريقةٍ لم نَعْتدْ على استعمالها في الحروب التقليديّة، بل تِبْعَ خُطّةٍ لا تشبه أيًّا من تلك الخطط الّتي عرفناها.
إنّك تشعر بغرابة توصيات هذا القائد، كيف يوصي جنوده، بمواجهة عدوّهم الشرس (الذئاب)، بوداعة الحملان. لا بل أكثر من ذلك، يوصيهم بأن يكون لهم لطف الحَمام وعذوبته.
فماذا تنفع وداعتهم أمام أنياب الذئاب الكاسرة، المتربّصة بهم شرًّا، كي تمزّق أجسادهم، وتدمي أرجلهم الحافية؟
هل كان هدفه أن يُسْحَق تلاميذه أمام أعدائه، دون الدفاع عن النفس، على الأقلّ؟
هذا القائد الحازم، على وداعته، الحكيم على بساطته، القويّ على عذوبته ولطفه، لم يُرِد مطلقًا أن يتخلّوا عن مهمّتهم خوفًا، (رسالتهم) أو يستسلموا يأسًا، ولكن أن يصبروا كي يحوّلوا تلك الذئاب إلى خرافٍ تعود معهم إلى حظيرة الخلاص، بتـظهير نتائج كلّ شّرهم للنور، فيرتاعوا لرؤية بشاعتهم ، ويخجلوا من لطف الله في من يحاولون قتل الروح منهم أو الجسد.
أراد أن يكشف لهم أنّ سموّ الرّسالةِ يكمن في تحويل قلب العدوِّ وروحه إلى إنسانٍ جديد، يؤمن بالحبّ اللامحدود، بالله، لا في سلبه حياته. أرادهم أن يدركوا، على قِلَّتِهِم، أنّ الحبّ والوداعة والحكمة، هي أقوى من جحافل الأعداء بكلّ عدّتها وعديدها! وكانت النتيجة أنّهم فرشوا جهات الأرض الأربع بالسلام، وفرح الخلاص بيسوع المسيح.
اليوم، ألا نخجل، نحن الّذين أصبحنا على شاكلة الذئاب، نواجه، ونستشرس، ونُكشِّرُ غالبّا عن أنيابنا أمام أعدائنا؟ أين ذاك الحمل الّذي وضعه الله في داخلنا، بإفخارستيّا ابنه الحبيب؟ أين روح الحكمةِ الّتي أفاضها فينا، يوم دخلنا الحياة الجديدة، بالعماد؟
هل فكّرنا يومًا كيف أنّ تلاميذًا بسطاء، مرابين، فقراء، أو، منهم من لا يعرف حتّى “فَكَّ الحَرفْ” …. وُهِبوا القدرة على الشفاء وإقامة الموتى، ومجابهة الحكّام ، وكيف أنّ الروح نطق فيهم أمام القضاة والشيوخ؟ كيف أنّهم بثباتهم على الإيمان، وحكمتهم، وشجاعتهم، شَهِدوا حتّى الموت، من أجل المسيح، الربح الأكبر، فهزّوا العروش، وأصغى لهم ملوك الأرض وأباطرتها… ونحن؟ كم منّا، المتعلّم، والمثقّف، و”المؤمن بتحفّظ”، لا يعْرِف من المسيح إلاّ اسمه، ولا من المسيحيّة إلاّ مظاهر الإحتفالات الدينيّة، والممارسات الطقسيّة، وواجب حضور قدّاس الأحد (يا ليته يكون فعلُ مشاركة)، رافعين الصوت مُصرّين على التّغنّي بمسيحيّتنا؟
هم جابوا الأرض من أجل البشارة، صابرين على الألم، محتملين الضيق والمشقّات. ونحن؟ ألا نجوب العالم هَرَبّا من… مُتَناسين أنّ الله قد زرعنا في هذه الأرض كي نزهر، ونثمر فيها، لا لكي نقتلع أنفسنا، إلى حقولٍ تربتها ليست بخصبة، ولا غذاؤها بمُفيد، ولا هواؤها بنَقيّ؟ من منّا يلوذ بالصبر عند الضيق؟ أو يحتمل مشقّةً من أجل البقاء على الإيمان والمحافظة على مسيحيّته الحقيقيّة، لا الصُوَرِيّة؟
هم وثِقوا بالمسيح وآمنوا بالرسالة : “ها أنا أرسلكم” (آ: 16)، فكانت لهم قدرة المعلّم الّذي أرسلهم، وأُعطوا التّعزية، والشجاعة ألاّ يهابوا شيئًا في انطلاقتهم نحو البشارة. لقد أدركوا أنّ “النعمة تكفيهم”، وأنّ تجلّي قدرة الآب في عملهم وإشعاع الفضائل في حياة الإنسان، هما في تكاملٍ لا مثيل له!… ونحن؟ هل تأمّلنا يومًا بهذا السلطان المُعطى لكلٍّ منّا؟ هل انتبهنا أنّ تلك القدرة، وتلك الفضائل كلّها، هي كائنةٌ فينا؟ ولكن، ماذا فعلنا بها؟ أو لماذا لم نوقظها بعدُ، وما زلنا نكبّلها بجهلنا لدورنا كأبناء لله، أو بالخوف أو بالأنانيّة؟ هل نؤمن أنّ لنا بها الغلبة لا محالة، مهما كثُرَت الذئاب؟ هل نؤمن بأنّ الله وثق بنا، فاختارنا للبشارة؟ نعم! لقد اختار كلاً منّا… أنت! من تقرأني، لقد اختارك الآب لرسالةِ الخلاص لأنّه أحبّك، ووثق بك، وأنت لم تنتبه أنّه يحمل مفتاح ذاتك بين يديه: إنّك المعنيُّ مباشرة… كيف؟
بادله الثّقة بتواضعك؛ وكن دائم الجهوزيّة للدخول إلى أعماق ذاتك، فتطهّر قلبك بتخلّيك عن كلّ تعلّقٍ خارج المسيح، سبب ابتعادك عنه، وهجرك لذاتك المخلوقة على صورة الله ومثاله. كن شاكرًا لسُموِّ صداقته لك وجمالها. كن شاكرًا لاختياره إيّاك عاملاً مسؤولاً في حقل البشارة (أيًّا تكن، ومن حيث أنت). كن سخيًّا في عملك دون خوفٍ من فقدان الصغائر، من أجل الربح الأكبر.
لقد أحبّك حتّى الثمالة، ورفعك، كي تليق بك السماء فابتهجِ الآن وانطلق، من ذاتك أوّلاً، مؤمنًا واثقا، لأنّه قد فعل وأرسلك…
جاكي جوزيف ضوميط

في التوبة قوّة

أيّها الغنيّ المُطلَقْ، المكتفي بذاتكَ… رغم أنّك في غِنىً عن أيّ مخلوق أو كائنٍ سواك، أعطيت سلطانك، بشخص ابنك المتجسّد وروحك القدّوس، إلى الرُّسلِ الإثنيّ عشر، كي “يطردون به الأرواح النجسة، ويشفون النّاس من كلّ علّة ومرض وداء” (مت 10: 1): إنّك “المحبّة المُطلَقة”.

بين بطرس ويهوذا، في تأمّلي لأسماء الرّسل، كما ورد في هذا النّص، لفتني أوّلها: سمعان بطرس، “الصخرة الّتي عليها بنى يسوع بيعته”، قد نكره ثلاثًا عند المحكّ. وآخر الأسماء في السرد هو يهوذا الإسخريوطيّ الّذي أسلمه. أمّا الباقون فلقد فرّوا، تاركين حبيبهم يسوع وحده يواجه الإتّهامات فالآلام فالموت. واحدٌ لم يبقَ في ساحةِ الصّلب، حيث معركة الإنتقام الأحاديّة، سوى يوحنّا!

مذابحنا: أليس مِن المُستغرَب ألاّ نرى ذلك غالبًا في أنفسنا؟ ربّما لأنّنا لا نجرؤ على تقليب صفحات أيّامنا، على ضوء المسيح ونور الإيمان به، فنخاف أن نكتشف أنّنا أناس عاقّون، نصنع الشّر، نعتدُّ بأنفسنا، وننسب نجاحاتنا لمقدرتنا الشخصيّةِ واهمين، غير مدركين أنّ المقدرة الّتي لنا، والذكاء والخيرات هي مِن خَلْقِ الله وكَرَمِه علينا؟!
ربّما لا ننتبه غالبًا إلى فعلتنا في إنكارِ الله حتّى ولو عن غير قصد؛ فكلّما زادَت خيراتنا، نُكثر من مذابح عباداتها وننوّع في آلهتها، فنقيم أوّل المذابح للذات. وبدل عبادة الله الخالق والمعطي، يضيع القلب بين كلّ تلك الآلهة، فينقسم ويتشتّت، حائرًا في إرضاء هذا أو ذاك… لقد حان وقت قلبِ طاولات المذابح وتكسيرها دون خوف. ها هو زمن التوبة، والرجوع عن المعصية؛ فها إنّ الحبيب ينتظرتسليمنا سلطانه. فلنقبل إليه.

التّوبة قوّة: إيمان بطرس والتلاميذ بمغفرة يسوع لهم جعلهم يلجأون إلى التوبة، فاكتشفوا أن تلك القوّة والشجاعة في الإقرار، ليْسَتا من عندهم، بل من عند الله الّذي حلّ فيهم بروحه. وبالإيمان استطاعوا أن يضعوا ضعفهم في النور، فرأوا جليّا مِن أين عليهم أن يمسكوا، ويتمسّكوا بركن النجاة الّذي لا يتزعزع. بينما ضاع يهوذا في الموتِ لقلّة إيمانه بمغفرة يسوع لفعلته.

الفرح في الضيق: هل نعرف أنّ الملكوت لا يُشرى بل يُغتَصب، رغم أن الله لا يَغْصِب أحدًا على دخوله؟! فكيف ذلك إذًا، والإنسان ضعيف؟!
في اختيار يسوع لتلاميذه هناك تجلٍّ لعملِ الله. لقد اختار أناسًا عادييّن، بُسطاء. لقد اختارهم ليس لما كانو عليه، بل لما سيصبحون عليه من قوّة وقدرة، بنعمته وقدرته. وهذاما يجعلنا نفرح، لأنّ يسوع قال:” لم أدعُ الأبرار بل الخطأة”. فعندما يدعونا الله كي نخدم، وهو العارف بخطيئتنا، فلنفرح ولنلبّي الدّعوة، دون التظاهر بالتواضع مُدَمْدمين”ليس لديّ ما أقدّمه له”. إنّه جابلنا، وفاحص كِلانا، لذلك يقبل ما لدينا مهما كان صغيرًا، من أجل بناء الملكوت.

صلاة: يا أبي، أعطني أن أعترف، بصدقٍ وشفافية، بضعفي، كي لا أقع فريسة التباهي والتفاخر بأعملي وما تأتي به من ثمار. جنّبني خطر تأليه الّذات وعبادة عطاياك. ها إنّي أضع ذاتي وكلّ ما لدي، على صغره، بين يديك، كي تجعله آية ً قدسية، من أجلِ تمجيد اسمك القدّوس، آمين.

جاكي جوزيف ضوميط

المرحوم يوسف الياس ديب

الأحد ١٠ حزيران ٢٠١٨
إنتقل إلى الملكوت السماوي يوسف الياس ديب يوم الأحد ١٠ حزيران ٢٠١٨. وفي اليوم التالي، أُقيمت الصلاة لراحة نفسه عند الساعة الخامسة من بعد الظهر في كنيسة القديسَين سركيس وباخوس الرعائية في رشدبين، ودُفن في مدفن العائلة الخاص.

المرحومة المازه حنا طنوس زوجة يوسف ضوميط شليطا

الخميس ٧ حزيران ٢٠١٨
إنتقلت إلى الملكوت السماوي المازه حنا طنوس زوجة يوسف ضوميط شليطا يوم الخميس ٧ حزيران ٢٠١٨. أُقيمت الصلاة لراحة نفسها عند الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الجمعة ٨ حزيران ٢٠١٨ في كنيسة القديسَين سركيس وباخوس الرعائية في رشدبين، ودُفنت في مدفن الرعيّة العمومي.

علّمني طرُقكَ

علّمني كيف تنظُر إلى البشَر مثلما رمقتَ بطرس بعد إنكاره مثلما ولجتَ إلى قلب الشاب الغنيّ وقلوبِ تلاميذك
أودُّ أن ألتقي بك على حقيقتك لأنَّ صورة وجهكَ تُغيّر من دنوتَ منهُ
أتذكُر لقاءكَ الأوّل مع يوحنا المعمدان؟
إحساس قائد المئة بعدم الاستحقاق؟
دهشة كل من رأى معجزاتك وأعاجيبك؟
كيف أثَّرتَ بتلاميذك بالحشود في بستان الزيتون بيبلاطس وزوجته بقائد المئة عند أقدام صليبك أودُّ أن أسمعك و أُتطبّعَ بكَ
بأسلوب كلامِكَ أسمعكَ وأنتَ تعظ في مجمع كفرناحوم وأنت تعظ على الجبل، حيث عرف من تبعك ” أنّك تعلّم كمن له سلطان”.
علّمني كيف أصبح “إبن بَيّي”
علمني أن أطبع على وجهي أحرف هويّتك فيشعّ كل حرف وحرف وأُدعى حينها بنت أبي.
إزرع كلمتك في أعماق قلبي ودع جذورها تتغلغل في تربته وليسقي نبع حنانك الجفاف المختبئ خلف ظلال عصياني
صادفت وتعرّفت على أُناس عدة، فعرفتهم إبناء مَن يكونوا، مِن خلال طريقة كلامهم وتفكيرهم وتصرّفاتهم
هكذا أيضًا، إطبعني ربّي أنا الذي أدعو نفسي بالإنسان المؤمن، بصورتك يا أبي السماوي ومثالك، فيعرفني كل من يلتقي بي إبن من أكون، فعلّمني أن أعيش إذًا هذا الحبّ
علّمني أن أكثر ما يفرح قلبك هو طاعتي لك وسلوكي الطريق الّذي ترشدني إليه.
فأيها الآب السماوي، أنت الذي دون أن تسألنا أيّ مقابل أحببتنا حتّى أنّك جدت بإبنك الوحيد من أجلي. أنت الّذي عاش الحبّ حتّى الصليب، كي أفهم أنّ أعظم ما يمكن أن يُبلور الصورة والمثال اللّتان شوّهتهما الأنا والخطيئة، وأكثر ما يعيد لهما بريقهما، هو الحبّ وليس سواه، وصيّة الوصايا التي تركها لي يسوع قبل صعوده إلى السماء.
أنت الذي حبك هو فعلٌ وليس عمل، أعني أنّه إنعكاس فرحك فيي عند قيامي بك، هو تحرّرٌ من الأنا بفعله بكلّ مجّانيّة، وهو، إن تمّ، يكون حاويًا جميع الوصايا الأخرى: إن كان لي هذا الحبّ، أكون قد صرت في المسيح، فأحبّ ربّي بكل قلبي وعقلي وروحي، يموت الشرّ داخلي ولا أعد أقوى على فعله كالقتل والزنى وإشتهاء مقتنى الغير…
هكذا تكون الوصايا جميعها قد تمّت في أمانتي لهذا الحبّ المقدّس.
إزرع في روحي أقانيمك الثلاثة. ثلاثة أقانيم في إله واحد، الآب والإبن والروح القدس، وحدة متناغمة في حبّ لا ينتهي، أبدي، وعطاءٍ حدوده اللانهاية. على صورة هذا الحبّ الثالوثي يُبنى كلّ حبٍّ.
علّمني أن أحبّك في كل فعل حب في حياتي. فمن يكتنفه حبّ الله لا يصبو إلى شيء آخر ولا يسعى إلى ربح أو مكافأة، ولا يأمل إلاّ بأن يخسر كلّ شيء حتّى نفسه إراديًّا وذلك حبًّا بربّه؛ فهذا في عينيه هو المكسب الحقيقي.
إفتح لي أبواب قلبي يا واهب الحياة، لأن روحي تبتكر إلى هيكل قدسك آتياً بهيكل جسدي مدنّساً بجملته. روحي عطشى إلى الرقص على ألحان الفرح، ومن يرويها غير حبك اللامتناهي؟ ها هي الآن تنشر الأحرف على بياض صفحتها، لعلها بالقليل من ما لديها، تشرح لك الكثير الكامن في داخلها. الكثير من الشوق والتعب والعبئ والحزن. فاروها يا ربي، وعلّمني طرقك.
جاكي جوزيف ضوميط