رعيّة رشدبّين

Month: April 2019

المرحومة ماري سركيس بطرس (عبيد) زوجة فؤاد حنا إسحق

الأربعاء ٢٤ نيسان 2019
إنتقلت إلى الملكوت السماوي ماري سركيس بطرس (عبيد) زوجة فؤاد حنا إسحق ظهر يوم الأربعاء ٢٤ نيسان ٢٠١٩. أُقيمت الصلاة لراحة نفسها عند الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الخميس ٢٥ نيسان ٢٠١٩ في كنيسة القديسَين سركيس وباخوس الرعائية في رشدبين، ودُفنت في مدفن الرعية العمومي.

أحد الشعانين

غريبٌ إحتفال الشعانين!
عيدٌ إحتفاليٌّ بإمتياز، يبدأ بالتغاريد وهتافات “المجد لله! تبارك الآتي بإسم الرّب. تبارك ملك إسرائيل” (آ:13)، وينتهي بالصّراخ:” إصلبه إصلبه!”.
ما بال تلك الجموع تنقلب عليه بين ليلةٍ وضُحاها؟ غريبٌ أمرها!
اليوم تهتف على أنّه الملك المخلّص، حتّى ولو كان راكبًا على “جحشٍ إبن أتان”، آخذةً من ملائكةِ الميلاد نشيدهم (“المجد لله!”)، وغدًا تراه مجرمًا دون جرم ٍ وتستبدله بقاتل ِ القتلة “باراباس”!

كم من باراباس معاصرٍ يطلَق كلّ يومٍ من سجون خوفنا من الحقيقة، إلى ساحة قلوبنا وفكرنا. كم من باراباسٍ نبرّره خوفًا من ألسنة الآخرين، خوفًا من التّهميش، من التخلّي عن اللّذة على أشكالها وأنواعها وأهدافها… كم من باراباس نطلق اليوم مكان المسيح في حياتنا!

إنه يوم عيد سيدي، نحتفل فيه بألحان الفرح، قبل أن ندخل إلى ألحان الحزن . وفيه استقبل اليهود المسيح ملكًا على أورشليم، ويخلصهم من حكم الرومان، ولكنه رفض هذا المُلك الأرضي. لأن مملكته روحية… المسيح رفض أن يملك على أورشليم، ولكنه يفرح أن يملك على قلبك…
قلبك عند الله، هو أعظم من أورشليم . إنه هيكل للروح القدس ومسكن للّه. فكّر كثيرًا هل الله يملك عليك كلك: قلبك وفكرك وحواسك وجسدك ووقتك…؟
قل له تعال يا رب واملك. هوذا أنا لك… 
إن كانت مملكتك يا رب ليست من هذا العالم. فتعالَ. عندي لك مملكة تناسبك، تسند فيها رأسك وتستريح. لعلك تجد راحتك في قلبي. وإن وجدت فيه عصاة أو متمردين عليك… تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار. استله وانجح واملك.
لا تنشغل بالسعف في هذا اليوم، بل انشغل باستقبال المسيح في قلبك ملكًا عليه، فأنت تحتاج أن يملك الربّ عليك، لكي يدبر أهل بيتك حسنا.


جاكي جوزيف ضوميط

أحد آية شفاء الأعمى

ما مررت يومًا بأعمى ورأيت عيناه تسرحان حالمتان وهما تنظران إلى المدى البعيد كالبقيّة من الناس. ما لمحت واحدًا منهم إلاّ وإرتفع نظره إلى السماء، إلى فوق.
عمّا يبحث هناك؟ أعَنْ وميضٍ يلمع في ظلمة مصابيحه الفارغة؟ هل يبحث عن زيتٍ يأتيه من فوق فيملؤها كي تتلألأ وتنير له الدرب حيث تسمّر قسرًا فيها عند نقطة الإنطلاق، لإنعدام الصحبة الطيّبة تمسك بيده ليسلكا معًا نحو الهدف المرجو؟ إلامَ ينظر وماذا ينتظر؟
هناك واحدٌ حفظه لنا الإنجيل لجرأته، فكان هو الجواب على تلك النظرة التائهة في اللامحدود. إنّه “إبن طيما، برطيماوس، الأعمى إبن الأعمى”.

  رحمة فدَعْوَة
لقد عَلِمَ أنّ ما يرجوه بات قريبًا. وهو أعمى، تحرّك كيانه كلّه لشعوره بمرور يسوع، فصرخ بكلّ جوارحه إلى أن اخترق صراخه صرير وغوغاء الجموع المزدحمة قلب “المعلّم”. أعمى عرف كيف يتشبّث بما أوحت إليه به بذرة الإيمان الصغيرة الّتي بدأت تتفتّح في أحشائه ما أن سمع بما كان يصنعه “يسوع إبن داوود”. لقد قرّر منذ تلك اللحظة أن يحصل، برغبةٍ شديدة وإصرارٍ كبير، على تلك النعمة من الّذي وثق به قبل أن تبصره عيناه، نعمة الرحمة الإلهيّة الّتي تلمّسها بقلبه، بينما لم يرها الكثيرون وهم يبصرون، ولم يفهموا أنّ هذه الرحمة لا تعرف سوى الإنسان وكلّ إنسان.
لقد حصل على ما أراده، زيت مصباحه الّذي لطالما انتظره، فما كان من مفاعيل ذاك الزيت إلاّ أن إنتقاه من بين الكثيرين وذهب به إلى أبعد من الحاسّة لِيَلده رسولاً شاهدًا يحمل نورًا سماويًّا جديدًا بعينيه وفي قلبه لكلّ من لا يزال أعمى البصيرة، تاركًا كلّ شيءٍ وراءه ليتبع صاحب الحياة كلها.

  واليوم؟
ما هي صرختي إلى الله؟ عن أيّ زيتٍ أبحث؟
هل أدع رغباتي تسكت حاجتي للقاء الله (كتلك الجموع التي أسكتت الأعمى)؟
هل أتشجّع، أقف، أرمي معطفي وأقفز بحماسة الأعمى نحو من يناديني لأشفى؟
ما هو “المعطف” الّذي يسجنني داخله؟ هل آخذ الخطوة لأرميه وأتحرّر من وزره؟
هل أنتبه إلى سؤاله لي (“ماذا تريد أن أصنع لك؟”) الّذي يوقظ في داخلي رغبةً لا أجرؤ على طلبها؟ بماذا أجيبه؟

  أسئلة تستحقّ منّا وقفة تأمّلٍ مع “إبن طيما” أمام يسوع لنحصل على الجواب!


جاكي جوزيف ضوميط

أحد آية شفاء المخلع

قصّة أخرى من الشفاءات الكبيرة التّي أدهشت حشود القرى والمدن: شفاء مخلّع. ولكن من هو بطل قصّتنا اليوم؟
في كفرناحوم أي بيت الرّحمة، ملأت الجموع البيت حيث كان يسوع يعظهم بكلام الله، وازدحمت إلى حتّى سدّت كلّ منفذ إلى الداخل.
الجميع يسمع تعاليمه، الكلّ يصغي بتدَيُّنٍ طبيعي! كلّ شيءٍ يسير على ما يُرام. مشهدٌ متكامل.
فجأةً “يأتي إليه أربعة رجالٍ يحملون مخلَّعًا، عجزوا عن الوصول إليه لكثرة الزحام”(آ:3و4).
في المحلّة لم يتحرّك أحدٌ. ما من أحدٍ انبثّ ببنت شفة ولا علا صوت أحدهم كي يفسحوا المجال لمرور الجماعة الصغيرة نحو الدّاخل. ظهورٌ تكدّست فوق ظهورٍ أقسى من الحجارة، إنتصبت حيطانًا لا تسمع الأنين ولا ترى التخلّع ولا تشعر بالوجع، حبست يسوع في قوقعتها، وحجبت كنز رأفته وحبّه عن واقع الإنسان المتألّمِ وكأنّه أصبح ملكًا حصريًّا لها، ولها فقط….
وفي أفق الأنانية ذاك، تكشّفّ إيمان تلك الجماعة الصغيرة التّي تحمل حبيبها المخلّع. هو المعوّق الّذي سلبه المرض كلّ حركة، فبات غير قادرٍ على العمل، أو الإرتباط أو حتّى التسلية والتنزّه أو مساعدة الآخر عمليًّا. لقد تسمّر على صليب الإعاقةِ وتجمّدت معه الطموحات والأحلام، كما قد هجرته الأفكار الجميلة. لقد بات مرتبطًا بمحبّة الآخرين له.

نرى المخلّع يتنقّل بأقدام الرّجال الآربعة ويرى بعيونهم ويسمع بآذانهم التي رصدت مكان يسوع، فأتوه به. قبل أن يحملوه بقوّة أذرعهم، حملوه بقلوبهم، بصداقتهم. بتضامنهم حملوا سويًّا وجع من اتخذوه أخًا لهم، مظهرين كلّ رحمةٍ وحبّ: لقد آمنوا أنّ اللقاء الشخصيّ مع يسوع هو قادرٌ أن يغيّر حياة أخيهم، فلم يتردّدوا في أن يلتفوا من وراء الجموع المحتشدة.

و…أيّة جموعٍ تلك؟
جموعٌ مضيّقة على يسوع وحاجبة نظره وسماعه عن آلام الإنسان، لم تلحظ حتّى تلك الحالة الّتي تستدعي انتباه أيّ كان عند صعودهم بالمخلّع الدرج الخارجي للبيت. ما من أحدٍ من كلّ “الزاحمين” بادر بإفساح الطريق أمامهم! صعدوا السّطح ونقبوا وما من أحدٍ حرّك ساكنًا، وكأنّ عاهات الموت قد أصابتهم فأصبحوا كالعميان ينظرون ولا يبصرون، يسمعون ولا يفهمون، لهم أفواه “تخرسنت” وجسدٌ تشلّل. شيءٌ يثير التعجّب؟!.

من السّماء هبطت “خيمة” يستظلّ في فيئها متألمٌ صامتٌ ضاعت منه الكلمات على طريق “جبل طابور”. تبادُلٌ في النظرات، حديثٌ من القلب إلى القلب خيّمت عليه ثقة رجالٍ أربع بالربّ الشافي، أتت جميعها كي تجسّد كلّ ما كان يعلّم به يسوع عن ملكوت الله ورحمته الفائقة، فتفجّرت كحمَمِ البركان بعد سكونٍ طويل: هذه الرّوح المتّقدة في أحشاء هؤلاء الرّجال هي نفسها اليوم، توقظ في أعماق القلب الخاشع المصغي، ذاك الصوت الرّقيق الهامس الّذي يدلّنا عليه (على يسوع) في الآخر، يدّلنا إلى الذّهاب إلى حيث لا يقبله عقلنا المحدود بالمادّة، إلى “أبعد ما نعتقده مستحيلاً”. ما فعله يسوع أتى تأكيدًا على ما كان يعيشه هؤلاء الرجال في مساندتهم لبعضهم البعض. حملوه بإيمانهم، وبمسيرتهم قد تحرّر. بثقتهم المتبادلة وإيمانهم، تحرّر مريضهم من “ذنب” آبائه، مستعيدًا كلّ ما جرّدته منه التقاليد الظالمة والأحكام الجائرة، مكلّلةً بتعزيةٍ ما بعدها تعزية خرجت بكلّ الحنان من فم يسوع :” يا ابني”… لقد وُلِد من جديد وما عادت النظرات الحاسدة والمُدينة، ولا الكلمات الجارحة لها من سلطانٍ عليه: مع الجماعة، لقد ربح نفسه بغفران خطاياه، واستعاد حياته بشفاء تخلّعه، وفتح عينه على بنوّته لأبيه السماوي. ولادة جديدة من عَلو.

لنا نحن
في أيّ دائرةٍ نحن اليوم بالنسبة إلى يسوع النقطة الجوهرية؟ ليتموضع كلٌ منّا في المكان الذّي يرى نفسه فيه وليثق أنّ هناك الكثير ممّن يحيطون به كي يسلكوا سويًّا نحو الولادة الجديدة، ولا نخاف من تخلُّعنا بل من قلّة إيماننا، ولا من فقدان بصرنا بل من فقدان بصيرتنا، ولا من الآذان الّتي تتنصّت وتتعقّب تحرّكاتنا بهدف الأذيّة، بل من الحيطان الّتي تمنع آذاننا عن الإصغاء لكلمة الله وتشلّ عملنا وحركتنا في التقّدم صوب حضن الآب. آمين.


جاكي جوزيف ضوميط