رعيّة رشدبّين

أحد آية شفاء الأعمى

ما مررت يومًا بأعمى ورأيت عيناه تسرحان حالمتان وهما تنظران إلى المدى البعيد كالبقيّة من الناس. ما لمحت واحدًا منهم إلاّ وإرتفع نظره إلى السماء، إلى فوق.
عمّا يبحث هناك؟ أعَنْ وميضٍ يلمع في ظلمة مصابيحه الفارغة؟ هل يبحث عن زيتٍ يأتيه من فوق فيملؤها كي تتلألأ وتنير له الدرب حيث تسمّر قسرًا فيها عند نقطة الإنطلاق، لإنعدام الصحبة الطيّبة تمسك بيده ليسلكا معًا نحو الهدف المرجو؟ إلامَ ينظر وماذا ينتظر؟
هناك واحدٌ حفظه لنا الإنجيل لجرأته، فكان هو الجواب على تلك النظرة التائهة في اللامحدود. إنّه “إبن طيما، برطيماوس، الأعمى إبن الأعمى”.

  رحمة فدَعْوَة
لقد عَلِمَ أنّ ما يرجوه بات قريبًا. وهو أعمى، تحرّك كيانه كلّه لشعوره بمرور يسوع، فصرخ بكلّ جوارحه إلى أن اخترق صراخه صرير وغوغاء الجموع المزدحمة قلب “المعلّم”. أعمى عرف كيف يتشبّث بما أوحت إليه به بذرة الإيمان الصغيرة الّتي بدأت تتفتّح في أحشائه ما أن سمع بما كان يصنعه “يسوع إبن داوود”. لقد قرّر منذ تلك اللحظة أن يحصل، برغبةٍ شديدة وإصرارٍ كبير، على تلك النعمة من الّذي وثق به قبل أن تبصره عيناه، نعمة الرحمة الإلهيّة الّتي تلمّسها بقلبه، بينما لم يرها الكثيرون وهم يبصرون، ولم يفهموا أنّ هذه الرحمة لا تعرف سوى الإنسان وكلّ إنسان.
لقد حصل على ما أراده، زيت مصباحه الّذي لطالما انتظره، فما كان من مفاعيل ذاك الزيت إلاّ أن إنتقاه من بين الكثيرين وذهب به إلى أبعد من الحاسّة لِيَلده رسولاً شاهدًا يحمل نورًا سماويًّا جديدًا بعينيه وفي قلبه لكلّ من لا يزال أعمى البصيرة، تاركًا كلّ شيءٍ وراءه ليتبع صاحب الحياة كلها.

  واليوم؟
ما هي صرختي إلى الله؟ عن أيّ زيتٍ أبحث؟
هل أدع رغباتي تسكت حاجتي للقاء الله (كتلك الجموع التي أسكتت الأعمى)؟
هل أتشجّع، أقف، أرمي معطفي وأقفز بحماسة الأعمى نحو من يناديني لأشفى؟
ما هو “المعطف” الّذي يسجنني داخله؟ هل آخذ الخطوة لأرميه وأتحرّر من وزره؟
هل أنتبه إلى سؤاله لي (“ماذا تريد أن أصنع لك؟”) الّذي يوقظ في داخلي رغبةً لا أجرؤ على طلبها؟ بماذا أجيبه؟

  أسئلة تستحقّ منّا وقفة تأمّلٍ مع “إبن طيما” أمام يسوع لنحصل على الجواب!


جاكي جوزيف ضوميط