رعيّة رشدبّين

فرح الأبرار والصديقين

كيف لنا أن نفرح فرح الأبرار والصديقين، ونحن نندب حظنا ونبحث في دهاليز ذاكرتنا عن خيبات منسية أو مهملة ثم نضيف إليها خيبة جديدة، ثم نحدق في المرايا لنرى إنعكاسها في وجوهنا المهشمة.
كيف لنا أن نفرح فرح الأبرار والصديقين، ونحن نقف في الطوابير الطويلة، ندخل في غيبوبة إنتظار مستحيل، ونحدق في أفق بعيد، عله ينجب لنا لحظة أمل تستند عليه قلوبنا.
أرواحنا عالقة .. سجينةْ، مكبلة بسلاسل دقت أوتادها في أعمق أعماقنا المظلمة وقلوبنا ترتجف كطائر ذبيح .. وترتعش أجسادنا وكأن صاعقة ضربتها، فتدور بنا الحياة دورة كاملة .. كاملة بلا نقص.
نعاند الراحة والفرح ونهادن الخلاص الذي يناديا منذ الأبد ونبحث عن الحزن والمعاناة نتنفس بصعوبة بالغة، نعاند الراحة ثم نبحث عن مكان يمدنا بالهواء … يرهقنا البحث نستسلم كعادتنا. نستسلم عن ذواتنا، وعن إخوتنا الصغار في هذا العالم، فنقود بأنفسنا إلى يسار الآب حيث البكاء وصريف الأسنان.
نستسلم ثم نبحث في صناديقنا المهترئة عن أوراقنا البالية القديمة، نبحث فيها عن حلول تغرينا بالحياة من جديد.
نبحث بجدية مفرطة، وكلما ازداد بحثنا، إزداد شعورنا بالإحباط.
نحن لا نعترف بطريق الخلاص الحقيقي فكل منا مكبل بطريقه وخطاياه وشهواته. حميعنا نؤله أنفسنا، نؤله ذواتنا ونجهض كل محاولة لنا لترميم دواخلنا، والتواصل مع الرب يسوع المسيح ونفضل البقاء مع ذواتنا المهمشة الغارقة في بحور أمواجها المتلاطمة.
نحن نعتقد بأننا نخسر أنفسنا عندما نسلمها للرب، هذا المجهول بنظرنا، الغامض والغريب نرتاح مع أفكارنا الأنانية، مع رغباتنا، مع ألوهيتنا..
ثم سرعان ما نكتشف أن تلك الأفكار هي أفكار سوداوية، غارقة في ظلام دامس، قاتلة يا لها من حياة نعلي فيها صروح الوهم، متجاهلين الواقع وبعيدين كل البعد عن حقيقة السعادة وعن سر الخلاص الحقيقي ثم سرعان ما نعود إلى أنفسنا، متذبذبين بين رأي ورأي آخر، معتقدين بأننا ممسكين بزمام الحلول تارة، وبأننا فقدنا الشعور بها تارة أخرى.
ثم سرعان ما ندرك أننا على خطأ. سرعان ما تتفتح عيوننا على من هو أسمى وأعظم من بحر الضياع الذي كنا غارقين فيه
فنسرع راكضين بلهفة كالإبن الضال الذي استفاق من غيبوته، كالمنزوفة التي اكتشفت دواءها الوحيد، كالأعمى الذي أبصر نور الخلاص، كالمخلع الذي ركض بروح نحو الطبيب ونقوم، مثلما أقام الرب لعازر وبنت يائيروس
نقوم من الموت ونحيا وإذا تصفحنا الماضي، رأينا ااحاضر واستشرفنا المستقبل، نصل إلى خلاصة واحدة:
“أنا الإنسان، أنا من خلقني الله على صورته ومثاله، أنا الذي أحبني الله حتى الموت، ستقتلني الأنا.
أنا الإنسان الأناني في ماضي، أركع تحت قدميك يا رب، أرتوي منهما الحب وأصرخ: لم يعد بيدي حيلة، أسلمك حياتي!”
وعندها سأرى أنني سأصبح إلها بجانب الرب، فقد دعاني، هو بنفسه، للكمال، للؤلهية. عندها سأرى الخلاص، سأرى السعادة
عندها، سأحيا مع الأبرار والصديقين في ملكوتك السماوي، إلى أبد الآبدين، آمين.


جاكي جوزيف ضوميط