رعيّة رشدبّين

جاء الإنسان من بين يدي الله

جاء الإنسان من بين يدي الله آية الوجود لِما حمله من روحِ جابله وصورته ومثاله. ناظرًا ذاته فيها، أمنّه على كلّ ما خلق، محمّلاً إيّاه رسالة الحبّ الأعظم هامسًا في قلبه: كن الحبّ بذاته لكلّ إخوتك في المسكونة كلّها، وابنِ معهم ملكوت السّماء بحجارة المواهب المتنوّعة و”عَشِّقها” بالأمانة على المسؤوليّة. لكن إيّاك أن تبخل بالفرح في العطاءِ والسّهر الدّائم الجميل على ما قد يصبح لك يومًا أيّها الإبن الحبيب. أنت اليوم في جسدٍ قد يأخذ منه التّراب نصيبه امّا الحياة الّتي وهبتك لك، فلن تضيع أبدًا: لقد خلقتك للحياة لا للموت !…

نعم، لقد خلقنا الله للحياة لا للموت. فلإن كنّا لا نترجّى الحياة الدّائمة مع الله، بالطبع ليس لنا حتىّ أن نحبّ أنفسنا ولا فلذات أكبادنا، أولادنا، بالتالي كيف نحبّ البعيد إذًا؟ أمّا إن كنّا من الّذين يؤمنون بالحياة الأبديّة، فلكم هو عظيمٌ أن نكون متيقّظين حذرين من كلّ من يرغب في نهشِ ممتلكاتنا الّروحيّة: الحبّ، السّهر والتيقّظ، العمل بأمانةٍ وفرحٍ دائمين، ومشاطرة الآخر ما لدينا من هبات الخالق ومواهبه. فطوبى للمستعدّين للعمل، غير منقادين إلى طلب الرّاحة الكسولة، ولا قلقين من الظّروف الصعبة، خاصّة في أياّمنا هذه، حيث الذّئاب تملأ المسكونة، وتدخل حَرَمَك دون استئذان محاولةً افتراس أجنّة الخير فيك. طوبى لكلّ من يأخذ من سهر القلب والفكر والإرادة مسلكًا، مشمّرًا عن ساعديه، شاكلاً رداءه في نطاقه وفي يده مصباح الحكمة والتفكّر واليقظة: فما من ولادة دون مخاض، ولا من مياه دون نبع يشقّ الصخر مندفعًا.

ساهرًا كن وعيناك مفتوحتان على الطّريق، متحرّرًا من كلّ ما يثقل كاهلك كي تستطيع أن تكون في جهوزيّة دائمة للتحرّك بحُرّية، ورأسك مرفوع نحو السّماء، لا شيء يشدّك إلى الأسفل. لا تمضي وقتك في البحث عن الله كي يقدّم لك “الخدمات” والعون بل كن واثقًا أنّه يرافق كل خطوةٍ من خطواتك، يمسك بيدك الضعيفة ويسند ظهرك ولا تراه. إخدمه إذًا وكن طائعًا لما يفعله لك أيّها الإنسان الحبيب. كما لا تبحث عن ذاتك في كلماته ولا في سفر التكوين، لأنّ ظنّك سيخيب عندما لا ترى الصور الّتي خُلِقتَ عليها والّتي بدأتَ تفقدها بفعلك أيّ شيء يرضيك أنت خارج إرادته، “الفجر إلى النّجر”. ليس لك إلاّ أن تحبّ بصدقٍ ودونما قياس كل مل يحبّه هو، وإذا ما أردت أن تغفو فلا تفعلها إلاّ في أحضانه حيث الأمان، فتفرح كالطفل المتهادي على صدر أمّه الحنون بثقة وقد أخذ من روحها روح.

الرّب آتٍ آتٍ. “وكالسارق” سوف يحضر. فلماذا نخاف الموت ونضعه نصب أعيننا كالمُهَدّد ِالدّائم لراحتنا واستقرارنا؟ لماذا نخشى حكم الله إذا كنّا نعيش ومضات الحياة في نعمته؟ بالتأكيد سوف يضمّنا إلى صدره، يُقبِّلنا ويتقدّم لخدمتنا كما فعل أيّام تأنّسه وحلوله بالجسد بيننا، لأنّنا كنّا أمناء على بيته.

لا نتفاجأ إذًا إن كانت مخطّطاتنا تنقلب رأسًا على عقب يوم نكون في النّعمة، لأنّها ترى بعينه هو (عين الله) ما هو صالحٌ لنا فتؤتينا مشيئته الخيّرة مع البركة والثمار الوافرة فالحظوة عند الحبيب يوم عودته.


جاكي جوزيف ضوميط