أيّها الإخوة والأخوات المباركون،
بعد ثلاث سنوات من التفكير والصلاة، أصدر قداسة البابا فرنسيس الإرشاد الرسولي “فرح الحبّ” الذي يتكلّم فيه على موضوع العائلة في عصرنا، ويتوقّف على الأسس التي يجب أن يتّبعها الآباء والأمّهات لتستقرّ عائلتهم، وتستمرّ في التعاون، والنمو، والنضج، والسلام.
سأحاول أن أتوقّف على بعض الأفكار التي أجدها أساسيّة في هذا الإرشاد.
- الإستقرار في العائلة:
إن الترحال الدائم إن في المكان أو الزمان أو الإقتصاد أو الأفكار أو العادات والتقاليد أو الثقافة… لا يؤّسس لاستقرار في العائلة. فعلى الأهل أن يختاروا الإستقرار قدر المستطاع لتستطيع العائلة أن تنمو وتنضج، ولو كان ذلك على حساب الوضع الإقتصادي أو الفكري. عندما تنتقل عائلاتنا من الجبل إلى المدينة، أو من الوطن إلى الخارج، أو عندما يترك أحد أفرادها السكن في البيت العائلي من أجل هدف سامٍ أو غيره… تفقد الكثير من استقرارها المادّي، والإيماني، والحضاري، وبالتالي العائلي. فلا يجب أيّها الأحبّاء أن نُسرع في الإنتقال من أجل راحة قصيرة، لأنّنا بذلك نفقد الراحة الأهمّ والأكبر التي تؤمّنها العائلة الصغيرة أوّلاً، والعائلة الكبيرة ثانياً.
- الحبّ في العائلة:
لا يمكن أن تُبنى عائلة، وتستمرّ، وتنمو، وتنضج إذا لم تُبنَ على الحبّ الذي تكلّم عليه القديس بولس الرسول في الفصل 13 من رسالته الأولى إلى أهل قورنتس، والتي استمدّ معانيها من شهادة يسوع المسيح الذي بذل دماءه فداءً عن الّذين أحبّهم. هذا الحبّ الذي يُولّد الفرح في قلب مَن يمارسه، لأنه حبٌّ خصب يعيش مع الآخر، وينمو معه، وينضج معه، ويصبر معه، ويثق فيه، ويُصغي إليه، ويلتقي به ليكوِّن معه بالفرح حياةً جديدة تعرف أن تُضحّي، وأن تصفح، وأن ترفق، وأن تؤمن بالله الذي يُنير طريق كلّ من يلجأ إليه طالباً الخير، والبركة، والسلام.
- الإيمان في العائلة:
بعد الإحصاءات التي أُجريت، ظهر أنّ العائلات المؤمنة هي أكثر استقراراً، وتضامناً، وفرحاً من العائلات غير المؤمنة، لأنّ كلمة الله التي نزرعها في قلب العائلة عبر قراءة كلمة الله، والصلوات، وممارسة الأسرار، والنشاطات الروحية، يسهر الله على تنميتها لكي تُصبح في قلب العائلة مصدر حياة ، وتلاقٍ، وتعاون، وإخلاص، وأمانة، وثقة بالآخر…
إنّ الإيمان بالله يسند العائلة أمام الصعوبات والمحن والمصائب التي تصيبها. الله حاضر أبداً ليكون بجانبنا عندما يتخلّف الآخرون. الله ينير دربنا نحو الخير عندما نشعر أننا نسير في ظلمة هذا العالم. الله يزرع في حياتنا القوّة التي تساعدنا على ملاقاة الآخر وتحمّل محدوديّته لكي نؤّسس معه مستقبلاً أفضل لنا وللبشريّة. الله يجعلنا نرى في الآخرين مصدر تكامل وتعاون، هكذا يَكمل حبّنا، وتنضج شخصيّتنا، وتُثمر ثماراً جيّدة، تُعطي الواحدة ثلاثين، وستّين، وتسعين.
في فرحة هذه الأعياد المباركة، لا بدّ لنا من أن نقف أمام طفل المغارة يسوع المسيح ضارعين إليه لكي يُرسّخ الأمن والإستقرار في بلادنا، ويُلهم حكّامنا والمسؤولين بيننا ليعملوا ما بوسعهم من أجل ترسيخ الأمان والسلام اللّذين جاء بهما طفل المغارة إلى وطننا والعالم.
أعاد الله عليكم هذه الأعياد لسنين عديدة، وأنتم بألف خير وبركة وسلام.
المطران مارون العمّار
النائب البطريركي العام على منطقة الجبّة