رعيّة رشدبّين

في البدءِ كان كلمة. بل، في البدءِ كان الكلمة

عُرِفَ كونه الوحيد، كونه الأساس،
عُرِفَ كونه حي في البدءِ، منذ البدء، حتى انقِضاءِ الدهر.
كلمةٌ، و ما أعظمَ ذاك الكلمة. الكلمة أصبح كلمة معاشة، أصبح حياة.
كلمةٌ به كان الكونُ، فيه اختَبأت أسراره، بحروفِه رُسمتِ السماءُ وتَزينتِ النجومُ بأبهى حُلّتها لتلمعَ عاليًا في فضاءٍ شاسعٍ حملَ بأحضانِه شتى الغرائِبِ، أعظمَ الأسرار.
كلمةٌ تَدحرَجَ من كافِه الأرضُ، تلكَ الأرض التي علتها الجبال كاللام الشامخةِ، حَفرَت في تُرابها وديانَ بعمق الميمِ، وبطرف التاءِ جمعَت عناصر شتى.
كلمة كان حياة. فيه كانت الحياة.
كلمةٌ نَفخَ في التراب، ومن اللاشيء أصبح كل شيء موجود. كان إنسانٌ على صورتِه ومثالِه.
لم تَحدّه فاصلةُ الخوفَ أو توقِفه نقطةُ الموتِ.
بهويتِه تخطَّى كلَّ الصعاب. سلاحُه هويتُه، الحبٌ سلاحُه، فكان هو الحبُ.
بسلاحِه خرجَ من قلمِ الكاتِب العظيمِ، أبِ الكلمةِ، منهُ خرجَ، نالَ بركةَ مكمِّل الثالوثِ، كسرَ حواجزَ ما بين العالمَين ليصلَ إلى بيتِها المظلمِ بحلّةٍ تشبِهُ حلّةَ سكانِه.
بيته لم يعرفه..
كان بيتًا مرصعًا بالذهب من الخارج، وبحجارةٍ شاحبةٍ تبعث بالكآبةِ من الداخل. الشبابيك معتمة والباب مغلق ساكن. كان بيتًا كئيبًا حزينًا كسكانِه.
دخلَه وأعاد الحياةَ إليه. غمرَ أهلَهُ بسلاحِه العظيم، أحيَاهُم من جديد. غمرَهم بحنانِه الفائِق ونعَمه الغزيرة. شفَى المرضى منهم، فأبصرَ العميانُ تكلمَ البكم وسمعَ الصم، أعْطَى لمن عرفه حظوةً في دهاليزِ العالمِ الثاني، جعلهُم أبناءَ الكاتِب الأكبر .
كان الموتُ سيدَ البيتِ الكئيب، الذي يخشاهُ الجميع، فتخلَّى عن كل حرفٍ منها، جمعهُم صليبًا، غلبَ به الموتَ وأعطى من خلالِه حياةً أبدية لسكان البيت، يعيشونها تحت سقف حروفه الحية.
في البدء كان الكلمة، به كان كل شيء، بدونه ما كان شيء مما كان.
في البدء كان الكلمة، كلمة حية
في البدء، منذ البدء، حتى انقضاء الدهر..
فكيف نعيش كأُناسٍ أخذنا ذاك الكلمة؟ هل نتصرّف ونتكلّم ونتحرّك بجسدٍ هو هيكل للروح القدس؟ هذا الروح الّذي أُعطيَ لنا كي ننادي به الله “أبّا”. هل ندعه يحرّك منّا القلب والعقل واللسان؟ إنّه القوّة وطاقة الحياة الألهيّة فينا. هو من يجعلنا نعرف أنّ يسوع الحمل رفع خطيئتنا كي يريح كاهلنا، فنرتاح ونتذوّق الحياة الجديدة المملؤة سلامًا وفرحًا ومصالحة. هو من يجعلنا نفهم مكنونات قلبه وحقيقة أنّنا محبوبين مثلما هو محبوب من أبيه. فهل نحن نؤمن بهذا؟
هذا ما يريدنا الله أن نراه من حقيقةٍ بثقةٍ كاملة… ورغم كوننا خطأة وضعفاء، فنحن مخلَّصون إن آمنّا بهذا الحبّ العظيم وبابنه”حمل الله” يسوع.
أرسلت يوحنّا يُعد الطريق لابنك فسَمّيتَ لَه كارِزًا في الأرض…
فالشّكر لَكَ أيّها الآب…
أسْمَعتَ العالَمَ صَوتَكَ، صَوت الرِّضَى، فَكُنتَ لهُ كارِزًا سَماوِيًّا…
فالشّكر لك أيّها الأب…
دَلّ عليك يوحنّا وأعلن أنّك الحمل الطّاهر الذي يحمل خطيئة العالم، فصرت لنا الحُبّ الغافر…
فالشّكر لك أيها الإبن…
كَسَرتَ لَنا خُبزًا أرضيًّا فأشبعتَ أجسادنا الميتة، وَكَسَرت لنا خبزًا سماويًّا يُشبِعُ أرواحَنا العَطشَى…
فالشّكر لك أيّها الإبن،
ظهَرْتَ فوق نهر الأردنّ على شكل حمامة كلّلَتِ السماء بالمجدِ والنورِ…
فالشّكر لك أيّها الروح القدس، جمعتنا
‏ وجعلْتَنا أبناء الله وخلقت عطشًا عميقًا لحبِّ الله في قلوبنا…
فالشّكر لك أيّها الروح القدس،
لك الشكر والحمد والسجود، أيّها الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، من الآن وإلى الأبد، آمين.

جاكي جوزيف ضوميط