رعيّة رشدبّين

هذه خرافي

لم أشعر أبدًا بفرح تغلغل في كلّ كياني ولا بسلامٍ بهذا العمق ولم أعهد حبًا كالذّي إختبرته اليوم حين قرأت ما قاله يسوع عن “خرافه”.
“أعرف خرافي”
في ذاك اليوم، يوم “عيد التجديد”، أطلق يسوع وثيقة الحياة الأبديّة لكلّ من يتبعه بالفكر والفعل والقلب واللّسان، وثيقة بنودها الحرّية، الثقة، الإصغاء، البصيرة، الأمانة، الفرح.
هؤلاء “الخراف” الّذين تبعوه وما زالوا يتبعونه، هم أشخاص رأوا علاماتٍ في حياة المسيح، ذهبت بهم إلى أبعد من ذاتهم، أبعد من تفكيرهم الشخصي المحدود، لتوصلهم إلى حقيقةٍ ذات معنى عميق، معنى روحي لا يدركه عقلنا البشري، ففُتِحت بصيرتهم على بداية ميسرةٍ جديدة نحو حياة أفضل وفرح داخلي أكبر مع الجميع، وسلامٍ عميق واثق، جعلهم يدركون أنهم أُخْرِجوا من ظلمة ماضيهم إلى نور الحاضر والمستقبل، إلى الملكوت، إلى حضن الإبن الحبيب الذي لنا فيه الفداء.
هم أشخاص فهموا أن الغاية من كلامه وأفعاله كانت لتظهر تمام إكتماله، وأنه هو هو بالملء، وأنّهم، هم أيضًا مدعوّون للنمو في هذا الإكتمال خلال مسيرتهم بكلّ كيانهم: نفسًا، روحًا وجسدًا، كي تعيش كلمة الحقّ فيهم وتثمر أفعال حبٍّ وتواضعٍ ورحمةٍ تفيض على من حولهم.
“لا يخطفها أحدٌ مني”
هذا ما يحدث مع من يختار يسوع حبيبًا وراعيًا لحياته. لا يعودوا خائفين من المثول، كما هم، أمام حقيقة الله، الحقيقة التي قبلتهم بجروحاتهم وخيبات أملهم، بضعوفاتهم وزلاتهم حتى بخطاياهم وما نتج عنها. لقد إختاروا المخلّص بكلّ جوارحهم وكيانهم، بملء حرّيتهم، بملء ثقتهم به، بملء بصيرتهم المفتوحة عليه، وإكتشفوا حقيقة بؤسهم أمام رحمة الله الحقيقيّة المجّانيّة، الذي ليس له رغبة سوى أن يشفي أعماقنا من كل أثمٍ وسوءٍ نال من حياتنا وجرّها إلى الألم. هم الّذين قبلوا بمشروعه الخلاصيّ لحياتهم، مشروع الحبّ الأبوي الّذي، بغفرانه، قوّى عزيمتنا نازعًا عنّا “الزّقاق القديم” الّذي لم نحصد منه سوى الحزن والمرارة ووجعه.
فهل يستطيع بعدُ أحدٌ أن يخطف هؤلاء الخراف منه؟ مستحيل، لأن الّذي زرع القمح لا يحصد مطلقًا الزؤان والّذي وجد نبع الحياة في صحرائه، بالطبع سوف لن يتخلى عنه، وما من أحدٍ يستطيع أن ينتزعه منه.
ربي وإلهي … لو أردتُ أن أبوح بسرِّك لمن لا يعرِفُك فسأقول لهم:
تعالوا إليَّ وإسمعوا ما فَعلَهُ الربُّ بي
مسَحَ دمعَ مُقلتي وفتحَ لي جنّتي
فخطيئتي قد مُسِحَتْ وخلاصِيَ أُعْطِيَ لي
بصليبٍ مُحتقَرُ وحَمَلٍ لا عيبَ فيه
ماتَ لأجلي دونَ جَدَلْ مُسْتَسْلِمًا لمَحَبَّتي
تجسَّدَ من غيرِ أبْ من عذراءٍ في بيتِ لحم
غَدَا لي قوتًا مُشبِعًا كلَّ يومٍ مُتجدِّدِ
سرٌّ عجيبٌ للأبدْ إختلفوا على فِهْمِهِ
وأرسلَ لِيَ الروح يُعمِّدُني ويُثبِّتُني
يفيضُ بقلبي محبّةً لأحْيا مَعهُ للأبدِ
ربي وإلهي … يا أيها الراعي الصالح، يا أبي السماوي الّذي من محبتك لي لن تتخلّى عني، أشكرك من كلّ قلبي على الدوام فأنا أعرف أنني كلّ يوم أبتعد عنك وكلّ يوم تُعيدُني إليكَ، تُمسك بيدي وتُطعمني بنورك البهي كالنبتة الصغيرة التي تحتاج للنور لتتغذّى وتكبر، يأتي عليها الظلام فتنام ثم تُشرق الشمس فتستيقظ وتتغذّى وتنمو لتصبح مرعًى خصب أو شجرة مثمرة مُشبعة للجياع أو ذات أغصانٍ كثيفة وطويلة يجلس تحتها المُتعبين.
ربي وإلهي … هل أنا فعلاً كذلك أم أحتاج لسنين وسنين؟ ربي وإلهي … أنا أود ذلك فأُسلّم لك قلبي حُبًّا بك وأنا كلّي إيمان وثقة بأنك ستغيّره مجدًا لك فأنا منك ولك. ولك الشكر على الدوام، آمين.
جاكي جوزيف ضوميط