أنتَ(يسوع) أم صنميّتي؟
هذا هو أنت! أنتَ الّذي أدخلت إلى العالم منطقًا جديدًا في التعاطي: إصنعِ الخير وإمشِ؛ قل كلمة الحقّ وأكمل المسيرة؛ لا تبادر الشرّ بالشّر، بل إسعَ إلى رفضِ الحقد بالتسامح والحبّ. تعاطيك يا يسوع مع الجميع مليء بالرحمة وليس فيه أدنى تنويهٍ أو غمزٍ وإرادة تسلّط تُحطّم الآخر وتخزيه. أنت لا تتعاطى من باب ردّات الفعل الّتي تخرج عن سيطرة القناعة والتعقّل والحكمة، بل يعطينا أن نرى كيف يصير الإنسان إنسانَ الفعل لا إنسان ردّ الفعل، وكيف يصير أداةً طيّعة وغنيّة بين يديّ الرّوح، إن قبِل أن يعطيه زمام القيادة! فكيف لا نرى في أخينا الإنسان ما أنتَ تراه؟من شارعٍ إلى شارع، من بيتٍ إلى بيت ومن الهيكل إلى الساحاتِ لم يتوانَ الفريسيّون عن نصب الشراك كي يصطادوك بشباكهم، ويسرقوا العزة والمجد من اسمك ويلبسوه تاج عار على جبينهم، لكن وجهك لم تحجبْه عنهم ولا تعاليمك وحنانك، ولا حتّى توبيخك، كالأب لأبنائه. عملت جاهدًا كي تفتح بصيرتهم على القوّة الجديدة التي تحرّرهم من صنميّتهم، أعطيتهم حبل الخلاص الذي ينتشلهم من مستنقع الخطيئة الغارقين فيه، لكنهم عشقوا رائحة النتانة ولم يكفّوا عن عبادة آلهةٍ سيطرت على عقولهم وغزت قلوبهم حتّى العمى. لم يدركوا أنّ تلك الأصنام الفكريّة تحكم عليهم وعلى أتباعهم بالموت، موت النفس، لهم عيون ولا يبصرون وآذانٌ ولا يسمعون؛ فأصبحوا لصوصًا يسيل لعابهم شهيةً لسرقة القدسية من قلوب المؤمنين..
لكن من يستطيع سرقة أمتعة قويٍّ ساهرٍ على بيته “إن لم يُقيَّد”؟ من يستطيع أن يسرق فكر المسيح وحياته من مؤمنٍ واعٍ مدركٍ لمسؤوليّته، متحَضِّرٍ دومًا لمواجهة عبادة آلهةٍ صنميّة
كلّنا نسعى إلى القوّة. نعمل جاهدين كي نحقّق أنفسنا ولكن كيف؟
هل نبحث عن العنف والشرّ والتدمير، وفي أماكن كثيرة من العالم نبحث عن الحروب ومهانة الشعوب من أجل تحقيق الذّات؟
هل نسعى إلى حَبْكِ المؤامرات وتلفيق الأكاذيب وتحطيم الآخرين حتّى نشعر بأنّنا أقوياء؟ أم أنّنا نؤمن بأنّ القوّة الحقيقيّة تكمن بالساكن فينا وخالقنا على صورته ومثاله؟
ألم يقل لنا أنّه وحده هو “الطريق والحقّ والحياة”؟
ألم ينبّهنا إلى أنّ “الحقّ وحده يحرّرنا” إن عرفناه؟
“أين نحن الآن من كلّ ما يحدث من إغتصابٍ للحقّ والأرض والإنسان؟ أين هي قوى الحبّ والخير والعطاء إزاء كلّ ما يحدث في العالم اليوم؟ لما هي في غيبوبةٍ عن الواقع؟” (د. ميشال أسود).
ربّما لسنا أقوياء في الإيمان بما فيه الكفاية كي نستطيع أن نردع السارق من سرقة بيتنا الّذي به علينا أن نعتزّ ونفتخر. ربّما نحن من نقيّد الروح “بتجديفنا” العَمَلاني عليه، فتُفارقنا الحياة في النّفس ويطلّقنا الحبّ والتواضع ويهجرنا العطاء بمجّانيّة، مستسلمين إلى صنميّة الأنا الخادعة. فحبّذا لو ردّدنا مع القائل نفسه: “لو لم يكن الله فيَّ قوّة تحرّر لما آمنْتُ به، إذ ما لي والصنم؟”.
ربما لا يزال الإيمان بذرة فينا لم ولن تنمو إلا إذا أصبحنا نحن أطفالاً، تدهشنا كلمة الرب فنلحقها كما النحلة تطادر عبق الورد، نلاحقها كما الاطفال الجائعين للحب، الحب الخالص الصافي اللامتناهي في أرض صارت قاحلة، قاحلة من الحب والصفاء والوفاء لولا بذرة الإيمان هذه المتمسكة بتراب نفوسنا الخصبة والرافضة على الرحيل
ما تفلّ يا إيمان، خلّيك بقلبنا أكتر بعد، نحن نستحق أن تبقى فينا، فثمة من فينا ما زالوا على قيد الحب والوفاء إبقَ لأجلهم، لأجل الخطأة والضالين، لا ترحل فلولاك لا أمل ولا رجاء ولا قيامة…