!ونحن شهود على ذلك
“المسيح قام”، “حقًّا قام”. لكنّك هل تستطرد بقولك “وأنا شاهد على ذلك؟” في الأغلب لا تقولها، وإن فعلت، كانت روتينيّة من غير تفكير.
هل نؤمن حقًّا بالقيامة؟ ألأنّ الرسل والمريمات نقلوها إلينا نحن نؤمن بها؟ كيف ننظر إليها؟ هل الإيمان بها هي طريقة للهروب من الموت؟ كيف شكّ توما؟ أسئلة لا تنتهي نطرحها حول هذا الموضوع وغالبًا ما نبقى دون جواب شاف.
هو الأحد الأوّل، لقد قام السيّد منذ ثمانية أيّام وانتهت بهجة القيامة لمن لا يفتّش عن القيامة إلاّ في هذا العيد. لقد عبرنا فصح الرّب ودخلنا في حقيقة صعوبات حياتنا المسيحيّة: أن نؤمن بما لا يمكن لعقل أن يفهمه، أن نصدّق أن الرّب قد قام، وأنّه قام من أجلي أنا. صعوباتنا الإيمانيّة هي صعوبة توما نفسه، أحبّ كثيرًا فخاف أن يكون كلام الرّسل مجرّد أوهام، خاف من الأمل الخادع، خاف أن يعود الى ألم موت المسيح مرّة أخرى إذا اكتشف ان ما تقوله النسوة والرسل هو مجرّد وهم عابر.
هي قصّتنا نحن، قصّة خوفنا من المجهول، نفضّل عدم التصديق، نفضّل أن نعتبر المسيح غائبًا عن حياتنا لئلاّ نتألّم من فقده مرّة أخرى. هي قصّة اتّكالنا المبالغ به على عقلنا وقوانا العاقلة وتفتيشنا عن حقيقة الله من خلال المنطق الإنساني والدلائل العلميّة. هي قصّة قلب خفت حبّه تحت وطأة عقل كثر شكّه. هي قصّة مجتمع لم يعد يؤمن الاّ بما هو ملموس، وبما هو في متطاول يده.
خوفنا من المجهول الّذي ينتظر الإنسان ما بعد الموت،
خوفنا من أن يكون جسدك قد سُرِق حينما لم يجدوه في القبر،
خوفنا عليك كخوف الأمّ الّتي لا تصدّق قبل أن ترى وتلمس إبنها الّذي أُعيدت إليه الحياة بعد موته بقدرةٍ إلهيّة،
خوفنا على ذاتنا من أن يعضّنا اليأس والألم طوال العمر، كَداءِ البرص، من جرّاء موتك الّذي رأيناه بأمّ أعيننا ولم نستطع أن نفعل شيئًا، …
ومخاوفنا الكثيرة الباقية، جعلتنا نرفض ما حدث لكَ، فهربنا إلى النواحي القريبة من مسرح الجريمة، نهيم حول الصليب من بعيد علّنا نفهم لما قد حدث ذلك، ولم يُفَتح قلبنا على ما قلته لنا بصدد قيامتك في اليوم الثالث.
لم نصدّق لشدّة حزننا على فقدانك وعلى حالنا من بعدك. على الحلم الّذي تصوّرناه أبديًّا معك: عشناه معك في الحرّ والصقيع، في الليل والنهار، مع الفقراء والأغنياء، فحسبنا أنّ كلّ شيءٍ سيكون على ما يرام، وأنّنا معك وبحضورك بيننا بالجسد المنظور سنكون مطمئنّين، لا نهاب غطرسة الحكّام واللاويين ولا إستكبار الفريسيّين ولا حسد الكهنة ولا مكايد الفاسدين.
نعم خفنا، حزنّا، قلقنا، إنهارت الدنيا تحت أقدامنا، فخِلنا أنفسنا نتلاشى ونهبط في وادي ظلال الموت ونحن ما زلنا أحياء.
“طوبى للّذين آمنوا ولم يروا”
أعذرنا هذا نحن توما الأمس واليوم وغدًا. توما كلّ حين في كلّ زمانٍ ومكان.
اليوم، وقد رأينا، حرّرنا من كلّ خوفٍ يعكّر صفْوَ إيماننا بقيامتك المجيدة حبيبي.
حرّرننا من خوفنا من الألم، من الضياع، من خوفنا من الموت وما بعده.
حرّرننا من الإفتقار إلى الحبّ والإيمان ومن إنعدام الرّجاء.
حبيبي، اليوم يوم رحمتك الإلهيّة. حوّل عمى بصيرتنا إلى نور، ومن ألمنا إجعلنا ننتزع الفرح الحقيقي، وأنت اجعل من ضعفنا قوّة ومن شكّنا يقين ومن قلّة تنبّهنا حكمةً وفطنة. علّمنا كيف ننتبه إلى بذرة الإيمان الّتي أعطيتنا إيّاها بالمعموديّة فنحافظ عليها سليمة كي تنمو صحيحة طالما حَيينا.
إجعل من إيماننا شهادةً حيّة تكشف أنّ الله هو المحبّة بالذات، وأنّه وحده من أحبّ كلاًّ منّا محبّة شخصيّة، دون مقابل ودون حدود.
حبيبي، إجعلنا نثق بأنّك رحمتنا وأحببتنا كما نحن. لم تنتظر من أيٍّ منّا أن يحبّ كي تحبّه، بل بحبّك لنا، جعلتنا نعرف معنى الحبّ الحقيقي، فنحبّ الآخر متشبّهين بك يا منبع الحنان والرحمة.
صحيحٌ أنّنا لا نراك بالجسد لكن، إيماننا بك، الّذي هو استجابةً لدعوتك لنا، يجعلنا نلمس حضورك في القربان يا من أحببتنا من قبل أن نولد.
إيماننا بك هو إكتشاف وجودك الفاعل حقًّا في الوجود وفي أعماق الإنسان، إلى أبعد ما يمكن لعقلنا المحدود أن يتصوّره. هو أنّ نحرِّر أنفسنا من كلّ قيدٍ يقبض على قدرتنا وثقتنا وتخلّينا عن كلّ ما يعيق تقدّمنا نحوك، لنطلقها صوب الرّوح الساكن أعماقنا، فيقودنا نحوك يسوعي، أنت القائم من بين الأموات منتصرًا.
ولأنّك الحب اللامتناهي، فنفسنا في إشتياقٍ إليك. هي ظمأى فأروِها، إنّنا نثق بك. آمين.
جاكي جوزيف ضوميط